سلسلة النباتات والمواد السامة المستعملة من قبل العشابين والرقاة(بذور نبات الخروع)
جدول المحتويات
من منا لم يسمع بنبتة الخروع وبزيتها زيت الخروع ذائع الصيت والمسهل القوي. ماذا تخبئ هذه النبتة من أسرار ؟
إن هذه النبتة تحتوي في بذورها على سلاح كيميائي فتاك وفي نفس الوقت هو لا يحتاج إلى قدرات دولة لاستخلاصه
نبات الخروع (castor bean plant) واسمه العلمي (Ricinus communis)
وهو معروف منذ القدم وقد استخدم عبر العصور المختلفة.. واحد من مكوناته السامة هو الرايسين (Ricin) وهو بروتين سماه stillmark عام 1888 م
عندما جرب خلاصة بذور الخروع على كريات الدم الحمراء ولوحظ تخثرها واضمحلالها .(agglutination)
والآن نحن نعلم أن التخثر كان نتيجة سم آخر وهو (Ricinus communis agglutinin) RCA ونعلم أيضاً أن المسؤول عن تسميم الخلايا(cytotoxin) هو الريسين Ricin وهو Hemagglutinin ضعيف , بينما يتميز الـ RCAبأنه مسمم للخلايا ضعيف وبأنه Hemagglutinin قوي.
التسمم بابتلاع بذور الخروع هو نتيجة الـريسين Ricin وليس الـ RCA لأن الـ RCA لا يتم امتصاصه من الأمعاء الدقيقة ,لذلك لا يقوم بالتأثير على الدم ولكنه سام جداً إذا أعطي عن طريق الوريد.
لنترك الـRCA ولنتابع رحلتنا مع الـ Ricin الـ Ricin كما أسلفنا هو سم بروتيني فتاك يتواجد في كل أجزاء النبتة بكميات لا تكاد تذكر باستثناء البذور التي تحتوي على تراكيز عالية منه وهو بروتين شديد السمية، يستخرج من بذور نبات الخروع الجرعة اليومية السامةالمتوسطة للإنسان تقدر ب 0.2 مجم(1 من 5000 من جرام)، ويعتبر أكثر سمية من سم الكوبرا بمرتين ويتكون الـ Ricin من سلسلتين بروتينيتين ترتبطان برابطة(Disulfide) :
:Ricin A -1وهو سام جداً للخلايا ويتداخل في عمله مع الرايبوسوم المسؤول عن ترجمة الـ RNA إلى عديد ثم إلى بروتين.
:Ricin B -2 وهو مهم لدخول Ricin A إلى الخلية حيث أنه يقوم بالإرتباط بسطح الخلية موجهاً الـRicin A إلى داخلها.
والغريب أن هناك الكثير من النباتات التي تحتوي سلسلة Ricin A ولكن بدون سلسلة Ricin B وهي غير سامة أبداً
ومثال عليها الشعير .. فسبحان الله يبدو الـ Ricin B مثل المفتاح الذي يفتح الأبواب المغلقة فإن فقده Ricin A لم يستطع الدخول فأمنت الخلايا شره.
المهم .. الـ Ricin سام جداً بعدة طرق الإستنشاق وعن طريق الفم وعن طريق الحقن.. ولعلك أخي تدرك أن أقل هذه الطرق سمية هو الفم لأن هذه البذور ذات قشرة صلبة قد تمنع السموم من الخروج .. ولكن المصيبة عندما تمضغ هذه البذور أو تطحن ثم تؤخذ.
وقد بينا أن الجرعة القاتلة .. وهي أقل من 1ملغ من الـ Ricin للبالغ ( أي: ما يعادل أقل من رأس الدبوس) وذلك عن طريق الوريد و هي كافيه لقتله . أما عن طريق الفم فهي من ثلاثة بذور إلى ثلاثين بذرة ويبدو هذا التباين نتيجة اختلاف التركيز وطريقة البلع يعني هل مضغت أم لا وما إلى ذلك من عوامل.
– كيف يقوم الـ Ricin بتأثيره القاتل هذا؟
ببساطة إنه يتداخل مع الـ RNA وعملية تصنيع البروتين في الخلية فيمنع صناعة البروتينات المختلفة ( الضرورية بلا شك لعمليات الخلية الحيوية المختلفة) مما يؤدي إلى موت الخلية هذا على المستوى الخلوي .. فتكون النتيجة انهيار عام في أعضاء الجسم وأجهزته وكافة وظائفه الحيوية ثم الموت.
يفالريسين قلل من تصنيع البروتين بالجسم وله مدي سام واسع بالجسم ولاسيما على جهاز المناعة حيث يثبطه. ولايوجد لهذا السم ترياق مما يجعله سما شديد التأثير. وأعراضه الأولية تعتمد على طريقة التعرض له ومن بينها الحمى وتلبك معوي ومعدي والكحة كما أن استنشاقه عن طريق الجهاز التنفسي وامتصاصه عن طريق الرئة يسبب تلفا واحتجاز الماء بها نتيجة التعرض لبيروسول الريسين واستنشاق رذاذه. كما أن تناوله بالجهاز الهضمي يسبب تهيجا به ولاسيما المعدة والأمعاء ويصاب الضحية بإسهال دموي وقيء. وله تأثير علي الجهاز العصبي المركزي حيث يسبب نوبات عصبية وهبوطا به. ولو تعرض الجلد لمادة الرايسين فإن تأثيره قد يتأخر عدة ساعات لأنه لن يكون سريع المفعول وهو أقل سمية.
الريسين يقوم بالإقلال من تصنيع البروتينات في الجسم كما ذكرنا.حيث تتحد سلسلة B (B chain) بالمستقبلات فوق سطح الخلية ليدخلها وسلسلة لها نشاط إنزيمي علي نواته او أي كمية ولو قليلة تثبط تكوين البروتين وكثير من البروتينات السامة للخلايا أمكن التعرف عليها في عدة نباتات أخرى غير نبات الخروع وكلها لها صلة بالريسين في التكوين والتأثير.فكلها تثبط تصنيع بروتينات(“ribosome-inactivating proteins”(RIPs) والتي يطلق عليها (Type 1 RIPs ولايمكنها الدخول من سطح الخلية للوصول للريبوسومات Ribosomes إلا لو إتحدت مع وصلة disulfide bridge لتكوين (Type 2 RIPs).
وبعض النباتات كالقمح والشعير بها (Type 1 RIPs)الغير سام. وهو إنزيم يسمي أيضا A chain. بينما نباتات أخرى كبذر نبات الخروع بها الريسين من نوع Type 2 RIPs)) السام. وهو إنزيم يسمي أيضا عندما تلتصق بها A chain برابطة disulfide bond.وجزيء RTB بالريسين يتحد مع الجلوكوبروتينات والجلوكو ليبيدات فوق سطح الخلية الذي ينتهي بالجلاكتوز. ويمكن لحوالي 106 – 108 جزيء ريسين الاتحاد بكل خلية. ومجرد جزيء واحد ريسين يدخل الخلية يوقف نشاط 1500 ريبوسوم في الدقيقة ليقتل الخلية.
والتسمم بتناول بذور الخروع ليس بسبب مادة RCA بالريسين التي لاتسطيع النفاذ من جدار المعدة لداخل الجسم ولا تؤثر علي خلايا الدم الحمراء إلا لو أعطي السم عن طريق الحقن بالوريد فيجعل كراته الحمراء تلتصق مع بعضها لتنفجر وتتكسر.فجرعة مقدارها واحد ميلليجرام كافية لقتل شخص بالغ. لأنه يسبب الجفاف الشديد وقلة البول وانخفاض ضغط الدم.ولو لم تحدث الوفاة خلال 3-5 أيام غالبا المصاب يشفي.
ويعتبر سم الريسين من السموم الشائعة ويمكن تحضيره والحصول علي كميات ضخمة منه بسهولة لأن شجيرات الخروع تزرع في كل مكان.ولاسيما وأن مليون طن بذور خروع تعصر سنويا للحصول علي زيته. ومايتبقي منه بعد العصر به 5% من وزنه مادة ريسين. وهذا السم يحضر كسائل يمكن تجفيفه ليصبح مسحوقا يتطاير بالهواء.ويحتوي على اثنين من hemagglutinins ونوعان من مواد سامة هما RCL III and RCL IV، وهذه السموم مكونة من polypeptide chains (an A chain and B chain chain،) وهما تتحدان برابطة disulfide bond).) والريسين لو استنشق فإنه يسبب الوفاة في خلال 36- 48 ساعة نتبجة الهبوط في جهازي التنفس والدوري. ولو تناوله الشخص بالفم فيسبب غثيان وقيء ونزيفا بالمعدة والأمعاء ويتبع هذا فشل كبدي ودموي وطحالي يفضي للموت بسبب هبوط في الدورة الدموية.ولو حقن فإنه بسرعة يدمر العضلات و العقد الليمفاوية ويعقب الحقن هبوط في الأعضاء الكبري بالجسم عادة كالقلب والبنكرياس.
– ما هي أعراض التسمم؟
بعد البلع تبدأ الأعراض في فترة بضع ساعات إلى يومين أو ثلاثة أما بعد الإستنشاق فهي تظهر في خلال 8 ساعات كحد أقصى .
والأعراض تكون كالتالي: ألم في البطن , قيء, إسهال مع دم, ثم جفاف حاد, وإنخفاض في الضغط إضافة إلى قلة البول.
ليس هناك أي مضاد معروف حتى الآن للتسمم بالـ Ricin والعلاج لا يكون إلا بالدعم كالتنفس والسوائل.. فإذا بقي المريض على قيد الحياة بعد فترة من ثلاثة إلى خمسة أيام بعد ظهور الأعراض يكون المريض قد تعدى مرحلة الخطر وهذا يعتمد عل حجم الجرعة وعمر المريض وعوامل أخرى كثيرة.
الرايسين كما قلنا سهل الاستخلاص وجرعته القاتلة صغيرة جداً, كما يمكن تجهيزه على شكل رذاذ ( يستنشق), وهذه العوامل جعلت منه سلاحاً عسكرياً خطيراً.. وفقاً لـ (CDC) CENTER OF DISEASE CONTROL فإن العراق استخدم في الحرب العراقية الإيرانية , وقد وجدت كميات منه مع تنظيم القاعدة في أفغانستان.
هناك حادثة مسجلة (مرتبطة دائماً بأي بحث تقوم به على الإنترنت عن الرايسين) وهي حادثة اغتيال الصحفي البلغاري المعارض جورجي ماركوف((GEORGY MARKOV في عام 1978م. وكانت طريقة اغتياله مبتكرة فبينما كان ينتظر الحافلة قرب محطة واترلو في لندن .. قام أحدهم بلمسه بطرف مظلته ولم يدر هذا الصحفي لتلك اللمسة بالاً .. فهو لم يكن يعلم أن بها حتفه .. حيث أنه وجد في جثته إبرة صغيرة جداً حتى لا يكاد يشعر بها وكان على طرفها آثارا للرايسيين .(تذكر أن جرعة الرايسين هي أقل من رأس الدبوس).
قد يسأل أحدهم الآن .. هذا زيت الخروع يتناوله الناس في كل زمان ومكان ولم نسمع عن حالات التسمم الخطيرة التي ذكرتها ؟
والجواب هو بالطبع لم تسمع و لن تسمع بذلك والسبب بسيط وهو أن الـRICIN لا يذوب في الزيت مطلقاً (HYDROPHILIC ) وبالتالي فإنك لن تجده في الزيت مطلقاً ..فالزيت يحضر من بذور النبات بالعصر. ولأن مادة الريسين تذوب في الماء فلا تكون لهذا السبب في الزيت الخالي تماما من الشوائب النباتية. وبعد العصر يظل سم الريسين في الثفل ليذوب منه في الماء بعد ذلك ليحضر الريسين وتجري عملية تبخير المحلول تماما بطريقة خاصة. فيبقي السم كمسحوق أبيض. وزيت الخروع يستخدم في تحضير المتفجرات وزيوت التشحيم للطائرات وكان يستخدم في تحضير الصابون وأحبار الطباعة والورنيش والبويات الزيتية. ويستعمل حاليا طبيا كشربة للإمساك. وهناك أنواع من نبات الخروع تزرع من أجل الزيت
ولكن خطورته تبقى موجودة إذا تعاملت مع بذور الخروع أو حتى النبتة نفسها.. والآن هناك العديد من كتب التداوي بالأعشاب القديمة التي تنصح ببذور الخروع كعلاج لبعض الحالات وبعضها حتى يوصي بسحقها وأخذها … فإياك إياك إنه سم فتاك سام للإنسان والحيوان وحتى الحشرات.
العلاج
في حالة التعرض لسم الريسين يكون لكل حالة مرضية تظهر علي الشخص المصاب علاجها. ولاسيما وجود الماء بالرئة وعلاج التسمم الغذائي لو كان الريسين قد دخل الجهاز الهضمي عن طريق الأكل. ولايوجد تحصين ضد هذا السم للوقاية منه سوي استعمال الأقنعة الواقية وعدم تناوله بالفم. والمصاب بسم الريسين عن طريق الجلد يعزل ولايختلط بالآخرين ويغتسل الجلد المصاب بمحلول 10,%هيبوكلوريت الصوديوم والماء والصابون. وفي حالة التسمم الغذائي به يعطي المصاب جرعات من الفحم النشط يتبعه شربة شديدة كمحلول سترات الماغنسيوم أو سلفات الماغنيسيوم أو يجري غسيل المعدة
وقد وجد علماء الأعصاب أن في استطاعتهم إتلاف الخلايا العصبية بالذات بحقن مادة الريسين في الأعصاب فيصل السم لأجسام الخلية العصبية حيث تتركز الريبوسومات ومن خلال الفحوصات والتحليلات وجد أن الريسين يقوم أولا بتشتيت البولي ريبوسومات ويجعل أجسام الخلية العصبية التي يحقن بها تنتفخ لتتحلل نواة الخلية وتتلاشي الخلية ذاتها. لأن الريسين كيماويا يتكون من a N-acetyl galactosamine-binding lectin فيمكن استعماله مع اللكتيناتLectins المختلفة المتخصصة. فبعد حقن السم نجد بقايا N-acetyl galactosamine فوق سطج الخلية العصبية. ففي دراسة سطح الخلية العصبية الطرفية والحركية في البالغين.. وجد أنهم حساسون للريسين. فالخلايا العصبية لديهم بالجهاز العصبي تقاوم تخزين المعلومات عن الريسين بينما الأطفال في فترة النمو حساسون.لأنهم في فترة نمو المخ تحدث تغيرات في عملية glycosylationبالخلايا العصبية بالجهاز العصبي المركزي.
العلاج بالريسين
هناك عدة محاولات بحثية للعلاج بمادة الريسين السامة ولاسيما في مجال التقنية الحيوية والهندسة الوراثية. ولاسيما لخاصيته في إثباط إنتاج البروتينات بالخلايا الحية مما جعل العلماء يحاولون استخدامه في علاج السرطان باستخدام (deglycosylated) سم الريسين A chain(RTA) لتتحد مع الأجسام المضادة أو عوامل النمو growth factors مما يجعل استهداف الخلايا الخاصة(كالخلايا السرطانية) بالريسين ممكنا.فلقد وجد أنه مؤثر وآمن كعلاج معاون عندما يوصف للمرضي في حالة زراعة نخاع العظام (خلايا بيتا) مما يزيد معدل الحياة بشكل ملحوظ.وهذه التجارب نجحت مع حيوانات بالمعمل ولم تجر علي الإنسان بعد. وهناك محاولات طبية للتأكد من أن الريسين يمكن استعماله لإثباط نمو الخلايا الصغيرة لسرطان الرئة. وهناك أيضا دلائل علي أنه يقوي التأثير الخلوي السام ل. TNF-alpha وتعتبر هذه المحاولات والتجارب المعملية واعدة في المستقبل.
لكن في حالة زراع النخاع العظمي في المعمل نجد أن سموم RTA- immunotoxins قد استخدمت بنجاح في التجارب المعملية لإتلاف وتدمير الخلايا الليمفاوية التائية (T lymphocytes) بالنخاع العظمي أخذت من متبرعين غير متوافقين مما جعله لايرفضه رغم عدم التوافق بسبب RTA-immunotoxin الذي يخفف هذه الحالة الرافضة. حتي في حالة أخذ نخاع عظمي ذاتي من نخاع سليم(anti-T cell immunotoxins) من المريض نفسه لإتلاف خلايا T السرطانية كما في اللوكيميا التائية والورم الليمفاوي. aymen وفي الأحياء وجد أن علاج الأورام المتصلبة قد يظهر مشاكل عديدة لقلة تشغيل السم المناعي(immunotoxin (IT)) في كتلة الورم لقلته أو أن أنتيجينات تستبعده أو يتكسر أو يزال بسرعة أو أن الجرعة تسبب تأثيرا جانبيا. وأكثر هذه المشاكل ظهورا لدي الذين يعالجون بسموم الريسين المناعية ricin-immunotoxins ظهور حالة نزيف الأوعية “vascular leak syndrome” حيث تتسرب السوائل من الأوعية الدموية وحيث تتولد زيادة في الوزن وإديما(رشح) بالرئة وانخفاض الزلال albumin بالدم. لكن رغم هذا فالأبحاث مستمرة لعلاج السرطان والإيدز من خلال استغلال تقنية الاتحاد الدنوي recombinant DNA
والله أعلم والحمد لله رب العالمين