نظرة شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية عليه رحمة الله ومغفرته للوسواس
جدول المحتويات
قال شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب إغاثة اللهفان ما نصه:
“ومن كيده الذي بلغ الجهال ما بلغ الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند عقد النية، حتى ألقاهم في الآصار والأغلال ، وأخرجهم عن اتباع سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره ، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد، والتعب الحاضر، وبطلان الأجر أو تنقيصه .
ولا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس فأهله قد أطاعوا الشيطان ، ولبوا دعوته ، واتبعوا أمره ، ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وطريقته ، حتى أن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، أو اغتسل كاغتساله ، لم يطهر ولم يرتفع حدثه ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، وهو قريب من ثلث رطل بالدمشقي ، ويغتسل بالصاع وهو نحو رطل وثلث ، والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه ، وصح عنه عليه السلام أنه توضأ مرة مرة ، ولم يزد على ثلاث ، بل أخبر أن : ” من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم ” فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعد فيه لحدوده ؟”
قلت :
لقد تبين من كلام شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله أن الوسواس هو من تلاعب الشيطان بالعبد فلا يجوز للمسلم أن يستسلم لهذه الوسوسة التي تعرض له في وضوئه ، أو في صلاته ، أو في ذكره، أو غير ذلك.
لأنها من كيد الشيطان ليصرف الصالحين عن عبادتهم ، ويقطعهم عما يقربهم من ربهم.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية:“أن الوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره ، فينبغي للعبد أن يثبت ، ويصبر ، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ، ولا يضجر ، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: { ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ً} وكلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه ،ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا ، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟!
وإذا استسلم الشخص للوساوس ولم يقطعها ، فقد تجره إلى ما لا تحمد عقباه -والعياذ بالله- ومن أفضل السبل إلى قطعها والتخلص منها : الاقتناع بأن التمسك بها اتباع للشيطان ، وقد نقل الشيخ محمد عليش المالكي عن بعض المشايخ أن الوسوسة بدعة أصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل.
ويستعين الإنسان بدفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، وبالدعاء ، واللجوء إلى الله ، وبالانصراف عنها ، وإلزام النفس بذلك.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب:( له داوء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافية -وإن كان في النفس من التردد ما كان- فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جرب ذلك الموفقون ، وأما من أصغى إليها ، وعمل بقضيتها ، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم ، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها ، وأصغوا إليها ، وإلى شيطانها … وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته.
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته.
واعلم أن من حُرِمَهُ حُرِمَ الخير كله ، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقاً ، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال ، والحيرة ، ونكد العيش ، وظلمة النفس وضجرها ، إلى أن يخرجه من الإسلام ، وهو لا يشعر أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً … ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة ، واضحة ، بيضاء بينة ، سهلة لا حرج فيها ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها
وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني ، وأن إبليس هو الذي أورده عليه ، وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد ، لأنه يحارب عدو الله ، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه ، وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان ، وسلطه الله عليه محنة له ، ليحق الله الحق ، ويبطل الباطل ولو كره الكافرون…
وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل ، وصار لا تمييز له ، وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ، ولا يميل إلى الابتداع .. ونقل النووي عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ، أي تأخر وبعد ، ولا إله إلا الله رأس الذكر .
انتهى لذلك يا عبد الله يامن جعلت الشيطان يتلاعب بك بوساوسه والعياذ بالله لا تدع الشيطان يعبث بك بل عالج وسواسك بالوسائل التالية:
الوسيلة الاولى :
الاستعاذة بالله قال تعالى في سورة الأعراف:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
الوسيلة الثانية :
المجاهدة وعدم الاسترسال
قال صلى الله عيه وسلم :((ياتي الشيطان احدكم فيقول : من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له: من خلق ربك ؟ فاذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته)) ، رواه البخاري ومسلم
ولتعلم يارحمك الله بأنك باسترسالك مع وساوس الشيطان واستسلامك له فلا بد أن يتطور بك الأمر ليوقعك بما هو أنكى وأشد حتى يصل بك إلى المراحل الصعبة من الوسواس والتي يصبح المصاب بها والواقع فيها غير قادر على الإندماج بالمجتمع، فهو متقلب المزاج و يصعُب عليه التحكم بتصرفاته نتيجة أفكار تلحّ في دماغه ينتابه عادة شعور بالذنب لأمور لا يأبه لها الناس كثيرا أضف إلى ذلك سمة الأفكار العدائية ضد نفسه أو ضد الآخرين، كضرب الأطفال و تعذيبهم أو القفز من أماكن مرتفعة أو التعدّي على الآخرين جنسيا أو شفهيا، القلق و عدم القدرة على النوم، الإضطراب العصبي، الشرود الذهني، جميعها قد تحدث أو بعضها وفي النهاية سوف تصبح فريسة سهلة وضحية للأدوية النفسية والعياذ بالله