منهج أهل السنة والجماعة في الكلام على أهل البدع وأن الكلام عليهم والتحذير منهم من أعلى مراتب الجهاد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (28\231 – 233) في ضمن جواب له عن الغيبة : ” و اذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة و العامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد : سألت مالكا و الثوري و الليث بن سعد – أظنه – و الأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ فقالوا : بين أمره . و قال بعضهم لأحمد بن حنبل : انه يثقل علي أن أقول فلان كذا و فلان كذا . فقال : اذا سكت أنت و سكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ ! . و مثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب و السنة أو العبادات المخالفة للكتاب و السنة فان بيان حالهم و تحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم و يصلي و يعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : اذا قام و اعتكف فانما هو لنفسه و اذا تكلم في أهل البدع فانما هو للمسلمين هذا أفضل . فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله اذ تطهير سبيل الله و دينه و منهاجه و شرعته و دفع بغي هؤلاء و عدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين و لولا من يقيمة الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين و كان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب و ما فيها من الدين إلا تبعا و أما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء . و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم “إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم ” و ذلك أن الله يقول في كتابه ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب ” فأخبر أنه أنزل الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنه أنزل الحديد كما ذكره فقوام الدين بالكتاب الهادي و السيف الناصر ” و كفى بربك هاديا و نصيرا ” و الكتاب هو الأصل , و لهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه بالكتاب و مكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر و صار له أعوان على الجهاد . و أعداء الدين نوعان : الكفار و المنافقون . و فد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله “جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم ” في ايتين من القران . فاذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب و يلبسونها على الناس و لم تبين للناس فسد أمر الكتاب و بدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله . و اذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا و هو مخالف للكتاب و صاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى “لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم ” فلابد أيضا من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بهؤلاء أعظم فان فيهم إيمانا يوجب موالاتهم و قد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلابد من التحذير من تلك البدع و ان اقتضى ذلك ذكرهم و تعيينهم بل و لو يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنهم هدى و أنها خير و دين و لم تكن كذلك لوجب بيان حالهم . ” ا.ه
منهج أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع :
إن منهجهم في ذلك مبني على الكتاب والسنة ، وهو المنهج المقنع المفحم ، حيث يوردون شبه المبتدعة وينقضونها ، ويستدلون بالكتاب والسنة على وجوب التمسك بالسنن ، والنهي عن البدع والمحدثات ، وقد ألَّفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك ، وردُّوا في كتب العقائد على الشيعة والخوارج والجهمية والمعتزلة والأشاعرة ، في مقالاتهم المبتدعة في أصول الإيمان والعقيدة ، وألفوا كتبًا خاصّة في ذلك ، كما ألَّفَ الإمام أحمد كتاب الرد على الجهمية ، وألف غيره من الأئمة في ذلك كعثمان بن سعيد الدارمي ، وكما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وغيرهم ، من الرد على تلك الفرق ، وعلى القبورية والصوفية ، وأما الكتب الخاصة في الرد على أهل البدع ، فهي كثيرة ، منها على سبيل المثال من الكتب القديمة :
1 – كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي .
2 – كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد استغرق الرد على المبتدعة جزءًا كبيرًا منه .
3 – كتاب إنكار الحوادث والبدع لابن وضَّاح .
4 – كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي .
5 – كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة .
ومن الكتب العصرية :
1 – كتاب الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ .
2 – كتاب السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات للشيخ محمد بن أحمد الشقيري الحوامدي .
3 – رسالة التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز .
ولا يزالُ علماء المسلمين – والحمد لله – يُنكرون البدعَ ويردون على المبتدعة من خلال الصحف والمجلات والإذاعات وخطب الجُمع والندوات والمحاضرات ، مما له كبير الأثر في توعية المسلمين ، والقضاء على البدع ، وقمع المبتدعين .
موقف أهل السُّنَّة والجماعة من المبتدعة :
ما زال أهل السنة والجماعة يردون على المبتدعة ، ويُنكرون عليهم بدعهم ، ويمنعونهم من مزاولتها ، وإليك نماذج من ذلك : ( أ ) عن أم الدرداء قالت : ( دخل عليَّ أبو الدرداء مُغضَبًا ، فقُلتُ له : ما لكَ ؟ فقال : والله ما أعرفُ فيهم شيئًا من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعًا . ( ب ) عن عمر بن يحيى قال : ( سمعتُ أبي يُحَدِّثُ عن أبيه قال : كنا نجلسُ على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال : أخرجَ عليكُم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خَرجَ ، فلما خرجَ قُمنا إليه جميعًا ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُهُ ، ولم أرَ – والحمد لله – إلا خيرًا ، قال : وما هو ؟ قال : إن عِشْتَ فستراه ، قال : رأيتُ في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصى فيقولُ : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، فيقول : سبّحوا مائة ، فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلتَ لهم ؟ فقال : ما قلتُ لهم شيئًا انتظارَ رأيك ، أو انتظار أمرك ، قال : أفلا أمرتَهُم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم مضى ومضينا معه ؛ حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء أصحابه متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تُكسر ، والذي نفسي بيده : إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمد ، أو مُفتتحو باب ضلالة . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم مريد للخير لن يُصيبه ! إنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حدثنا أن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وايمُ الله لا أدري لعل أكثرهم مِنكُم . ثم تولَّى عنهم . فقالَ عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يومَ النهروان مع الخوارج . ( ج ) جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – فقال : من أين أُحْرِمُ ؟ فقال : من الميقات الذي وَقَّتَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأحرم منه ، فقال الرجل : فإن أحرمتُ من أبعد منه ، فقال مالك : لا أرى ذلك ، فقالَ : ما تكرهُ من ذلك ، قال : أكره عليك الفتنة ، قال : وأي فتنة في ازدياد الخير ؟ فقالَ مالك : فإنّ الله تعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وأي فتنة أعظم من أنك خُصِّصْتَ بفضل لم يُختَصّ به رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ ! هذا نموذج ، ولا زال العلماءُ يُنكرونَ على المبتدعة في كل عصر ، والحمد لله . من كتاب عقيدة التوحيد للشيخ صالح الفوزان