إخواني الكرام لا يخفى على أحد مايروج له في سوق الدورات كدورات تنمية الذات وبرنامجهم الجديد الذي يزعم القائمون عليه بأنه يخدم الإنسان في تحقيق طموحاته وأمانية والتي عجز عن تحقيقها بسلوكه الاعتيادي الذي نشأ عليه.
ولا شك أن الدورات التدريبية التي تقوم على تنيمة الفرد وتهذيب أفكاره وإرشاده إلى حسن التدبير لها دور بارز وقوي في تحقيق النجاح لكثير من الناس ولو كان ذلك النجاح نسبياً عند البعض. لكن ما ينبغي علينا أن نراعيه في تأييد أو نقد هذه الدورات المنتشرة اليوم في عالمنا لاسيما في المنطقة الخليجية هو أن نميز بين تلك الدورات التي تدعو إلى تنظيم حياتنا اليومية وحسن استغلال الوقت وطرق حل الإشكالات التي تصادفنا في معترك الحياة وبين التي تدعو إلى تجاوز الإنسان الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها شرعاً.
ومن تلك الدورات التي تطرح على عامة الناس وخاصتهم ما يسمي ( بقانون الجذب the law of attraction) . وفي الحقيقة أننا لا نستطيع أن نحكم على هذه المعلومات والتي يقوم المدربون من خلال تلك الدورات بتلقينها المتدربين لديهم إلا من خلال البحث عن أصولها التاريخية – إن كانت ذات تاريخ – أو إثباتاتها العلمية أو ممارساتها العملية.
إن فكرة (قانون الجذب) يا إخواني الكرام تقوم على أن أقدارنا من صنع أيدينا وأن تعاستنا أو سعادتنا في الحقيقة نحن الذين (جذبناها) لأنفسنا من هذا الكون كيف؟!!
يقولون بزعمهم أن الأقدار تسبح في هذا الكون الفسيح منها ما هو سبب في سعادتنا ومنها ما هو سبب في أحزاننا !!. وأن الإنسان عبارة عن خلايا مترابطة وكل خلية تحتوى على طاقة وكل خلية تربطها مع الخلية الملازمة لها طاقة وأن الإنسان تنطلق منه طاقة عظيمة إذا ما تفاعلت هذه الملايين من الخلايا في لحظة واحدة عند إرادة الشخص شيئاً ما إرادة جازمة – كما سيأتي بيانه- كما لو تمني مثلاً وظيفة مرموقة في إحدي الشركات العالمية وانطلقت منه الطاقة اللازمة من بدنه في هذا الكون فستصادف ذلك القدر الذي يسبح في هذا الكون فتنتظم حياة مطلق الطاقة لتسلك مساراً يتناغم مع تحقيق هذا الهدف من غير بذل أي مجهود أوعمل منه (بتاتاً) في تحقيق هذا الهدف وأنا أعني ما أقول ، وهذا ما يمليه سدنته الغربيون ، إنما المجهود المطلوب من المتمني هو قبل إطلاق الطاقة أن يحث النفس على إطلاق أكبر طاقة ممكنة لتسريع وجذب القدر الأكبر من الحلم المنشود !!
فسلكوا عدة سبل في إطلاق هذه الطاقة ولكن غالبيتهم قالوا ينبغي على مطلق الطاقة تحقيق شروط معينة منها:
أ- أن يعتقد في نفسه على وجه (اليقين) أن ما يتمناه حصل فعلاً فلا يقول أنا أريد تلك الوظيفة بل يقول ( إنه يملك هذه الوظيفة) بمعني أن ( يعيش جو حصوله على الوظيفة ) كما يقال يعيش الدور بأنه موظف في تلك الوظيفة المرموقة.
ب – أن يكتب بصيغة الحاضر عبارة تفيد بأنه موظف في الجهة المعينة واحد وعشرون مره كل يوم ولمدة أربعة عشر يوماً كأن يكتب (أنا موظف في الشركة الفلانية ) ولا يكتب ( أنا سأتوظف…) وليس بالضرورة أن تكون وظيفة فقد تطلق طاقة تطلب فيها من المال الشيء العظيم أو تطلب سيارة أو زوجة أو … إلخ وما على الأقدار إلا أن تجيب … إلخ من هذه الشروط الغريبة وخلال هذه المدة أو بعدها ستنطلق تلك الطاقة في الكون ولا يدري متى ستأتي بذلك القدر فقد يكون بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة ( زعموا ).
إخواني الكرام:
إن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان وهو مراد الله في خلقه ولا يعلمه إلا هو عز وجل ، ولذلك أرسل المرسلين تفهمنا الطرق المشروعة والتي تكون سببا في جلب الخير لنا ودفع الشر عنا ، فشرّع لنا الدعاء وبذل الصدقة والتوبة والإنابة إليه بالإضافة الى بذل الأسباب في جلب الرزق … الخ . ولا أظن أن هناك حاجة لسرد الآيات والأحاديث والتي تثبت بأن الأقدار والأرزاق يصرفها الله تعالى كيفما يشاء بخلاف ما يزعمه هذا القانون الباطل والذي فيه من الافتئات على سلطان الله عز وجل ما فيه وهناك ردود كثيرة لا أقول من كتاب المسلمين فحسب بل من الغربيين والأكاديميين منهم خاصة على هذه الخزعبلات
والقارئ الحصيف يلفت نظره أن لب هذه الفكرة لا يخرج عن دائرة القدرية المجوس وأصحاب الملل الإلحادية من الحلولية والإتحادية وغلاة الصوفية والفلاسفة حيث اتخذوا من التوكل على الله عزوجل حجة في ترك العمل وبذل السبب في البحث عن مصادر الرزق ، بل إن بعض هذه الملل المذمومة أفضل حالا من هذا القانون حيث أن أهل التصوف مثلا ينسبون القدر للرب بينما هؤلاء لا يعرفون من هو رب القدر !.
ففكرة هذا القانون الساقط مشتقة من أفكار قديمة بالية ومن كتب هجرها الناس ومعتقدات قليل اليوم من يتلبس بها فهي خليط من سلوك بعض غلاة الفلاسفة والمتصوفة الشاذ بالإضافة إلى معنى الحلول والإتحاد حيث الكون هو مصدر القدر وبعض الديانات الهندية القديمة …الخ فجمعت في وعاء واحد وأخرجت اخراجا جديدا بأسلوب عصري يتناسب مع لغة الحوار في القرن الحادي والعشرين .
لكن ما يثير الدهشة أن (النسخة العربية) لقانون الجذب حرفت وبدلت لتترجم انحراف و جشع كثير من المدربين له فهم بين فريقين فريق يؤمن به ولا يظهر مراد منظري هذا القانون لعامة الناس خوفا من اتهامهم له ،وفريق عرف ببطلانه لكن ركب موجة القبول عليه طمعاً في المال فقاموا بتطبيق تلك الخطوات السابقة تماما ، وأضافوا تخريجاً شرعياً لها ستارا لعيوبها وليقبلها عوام الناس .
فقالوا : بعد تطبيق تلك الخطوات السابقة ينبغي أن تقوم أيها المتدرب بصلاة الاستخارة ومن ثم الاستشارة وعمل برنامج لتحقيق الهدف .
والذي يعرف أصول هذه الفكرة يعرف بأن هذا تدليس وتلبيس على عامة الناس وهم بمثابة الساحر الذي يعمد إلى عقد سحره بطلسماته وما أن ينتهي حتى يقوم بإسماع المسترقي سورة (قل هو الله أحد….) وآية الكرسي ليثبت أن فعله شرعي، لأنه في اعتقاد هذا المدرب أن الطاقة التي ستجلب لك القدر بعد (14 يوماً) قد انطلقت فما تعمله بعدها فلا قيمته له أصلاً غير إرضاء المتدرب دينياً
والجميل في الغربيين أنهم صرحاء في طرح أفكارهم صرحاء في مناقشتها بينما المترجمون للأفكار الغربية من العرب نجد – وللأسف – أن الخداع والالتفاف أسلوبهم الأمثل في طرح أفكارهم .
ومن عظيم مكرهم وتلبيسهم وإمعانهم في الخداع أنهم يحتجون بآيات وأحاديث تثبت بزعمهم أنها تؤيد ما ذهبوا إليه فيلون أعناق الأدلة ويحرفونها ونزلونها في غير منازلها
ومن ذلك استشهادهم بأن الله يقول في الحديث القدسي (( أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله، و إن ظن شرا فله)) وإن كان فريقا من شراح الحديث ذهب إلى إن المقصود من الحديث هو احسان الظن بالله تعالى عند الموت لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ)) ولكن لنسلم أن ذلك في الحياة عموما
فنقول:إن منظري هذا القانون لا يقولون بحسن الظن بالله بل بحسب قوة الطاقة التي تنطلق من البدن في هذا الكون لجلب الحظ الحسن المتولدة من قوة الإعتقاد بوقوع المراد يقول أحد منظري هذا القانون (بأن ما تتمناه سيأتيك ولو سألت من الذي أرسله لي فصاحب اللاهوت سيقول الرب والفيزيائي سيقول الطاقة وكل سيصرف القدر لما يؤمن به ونحن نقول – أي منظري قانون الجذب – لا يهم هذا أم ذاك ولا تشغل بالك في ذلك والمهم أنه ما تتمناه أتاك ……) انتهي بتصرف.هذا أولا
ثانيا : من أين لكم أن استخدام الطاقة المزعومة مجلبة للقدر المرغوب به أو غير المرغوب به ؟ ومن قال لكم أن مجرد حسن الظن بالله تعالى ( في رزق معين) من غير سعي مجلبة له يكفي ويغني صاحبه؟
ثالثا : من الذي قال أن مفهوم الحديث ينطبق مع هذا القانون المزعوم فمفهوم الخيرة الشرعي لا يرتبط مع المراد الشخصي فقد يمنع الله عز وجل ما يريده العبد من مال أو جاه أو غير ذلك كون حصوله عليه يشكل له فتنة مثلا في دينه أو شرا لم يحسب له حسابا ، بينما هذا القانون ( الجائر ) لا يميز بين ما هو خيرة وبين ما هو شر للإنسان بل كل ما تتمناه سيأتيك وأنت تتحمل العواقب !!
وأخيرا أقول ( إن بين يدي الدجال سنوات خداعات ) فالحذر كل الحذر من هذه الدورات المشبوهة والتي تطعن في أصل الاعتقاد وينبغي علينا أن نعلم أن الانفتاح على الآخر لا بد وأن يكون منضبطاً بالضوابط الشرعية التي أمرنا بها وأن ديننا خير منهج ودليل في تحقيق مصالحنا ومن أحسن من الله دينا لقوم يؤمنون وأن جلب الأرزاق أو صرف المكروه بيد الله ولا يمكن لشخص جلب ما يريد أو صرف ما يكره إلا بمراد الله ، وقد وضح لنا الإسلام سبيل ذلك فشرع لنا الصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعمل والتوكل على الله عز وجل.
ولا يفتأ أهل الضلالة في صدكم عن دينكم ما استطاعوا ، فلديهم من الشبهات ومشكل الآثار مايثيرون وساوس الفكر وسيئ الأوهام مما تجعل الإنسان العامي في لبس من أمره بل وبعض طلبة العلم أيضا !! ولقد ضربت صفحا عنها لطول الرد عليها ، ولكثرة النصوص فيها لكن يجمل الرد عليهم قوله تعالى (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ )
أنا عند ظن عبدي بي ذهب كثير من شراح الحديث إلى أن المقصود من الحديث هو احسان الظن بالله تعالى عند الموت لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّاوَ هو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ )) معنى ذلك أن الواجب على المؤمن حسن ظنه بالله وأن يحذر سوء الظن بالله عز وجل وفي الحديث الآخر يقول الرب جل علا: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني)) فالمشروع للمؤمن والواجب عليه حسن ظنه بالله وأن يرجوا رحمته ومغفرته وأن يخشى عذابه، وأن يجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كلما اجتهد في الطاعة صار أقرب إلى حسن الظن، وكلما ساءت أعماله، صار هذا من أسباب سوء ظنه، كما قال الشاعر: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه فالمقصود أن الإنسان يتحرى ما شرع الله له، ويجتهد في طاعة الله ورسوله– صلى الله عليه وسلم –، وترك ما نهى الله عنه ورسوله– صلى الله عليه وسلم –؛ لأن هذا من أعظم الأسباب لحسن ظنه بالله عز وجل، يحذر سوء الظن بالله عز وجل؛ لأنه قد عصاه، بل يبادر بالتوبة ويحسن ظنه بربه أنه يقبل التوبة ويرحمه سبحانه وتعالى، وهو الرحمن الرحيم، وهو الجواد الكريم، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فعلى المؤمن أن يحسن ظنه بالله، وإن جرى منه معصية، يحسن ظنه بربه ويبادر بالتوبة، لا يقيم على المعاصي يبادر ويسارع بالتوبة، ويحسن ظنه بربه أنه يقبل توبته، وأنه يرحمه وأنه يجيره من عذابه لما تاب إليه وأناب سبحانه وتعالى وإلى هذا ذهب الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله ومغفرته ولو سلمنا جدلآ أن ذلك مقصود في الحياة عموما فنقول:إن منظري هذا القانون لا يقولون بحسن الظن بالله بل بحسب قوة الطاقة التي تنطلق من البدن في هذا الكون لجلب الحظ الحسن المتولدة من قوة الإعتقاد بوقوع المراد يقول أحد منظري هذا القانون (بأن ما تتمناه سيأتيك ولو سألت من الذي أرسله لي فصاحب اللاهوت سيقول الرب والفيزيائي سيقول الطاقة وكل سيصرف القدر لما يؤمن به ونحن نقول – أي منظري قانون الجذب – لا يهم هذا أم ذاك ولا تشغل بالك في ذلك والمهم أنه ما تتمناه أتاك) فهل بعد هذا الضلال من ضلال والعياذ بالله نفو القضاء والقدر وقدرة الله على تصريف الأمور وجلب الضر والنفع ومنعه ونسبوا ذلك للتمني الذي يجمع شتات الطاقة فيؤثر على القدر أما الله فلا والعياذ بالله من ضلالهم