العقيدة والتوحيد ومنهج الطائفة المنصورةالعلم والتأصيل الشرعي

معنى شهادة ( لا إله إلا الله )

معنى شهادة ( لا إله إلا الله ) إجمالاً:

لا معبود بحق إلا الله تعالى أي أنه لا أحد يستحق أن يعبد إلا الله تعالى، فلا يجوز أن يدعى إلا الله تعالى، ولا يجوز أن يصلى، أو ينذر، أو يذبح، إلا لله تعالى وهكذا بقية أنواع العبادة.

قال علامة اليمن الإمام المجتهد محمد بن إسماعيل الصنعاني: ( ومعناها: إفراد الله بالعبادة والإلهية، والبراءة من كل معبود دونه ) .

  • فـ ( لا ) نافية للجنس. و ( إله ) اسمها، وخبرها محذوف تقديره ( حق ).
  • و ( إله ) من ( أَله ) بالفتح، ( يأله )، ( إلاهه )، والمعنى ( عبد )، ( يعبد )، ( عبادة ) .
  • و ( الإله ) هو المعبود المطاع، الذي تألهه القلوب بالمحبة، والتعظيم، والخضوع، والخوف، وتوابع ذلك من بقية أنواع العبادة.
  • واسم ( الله ) علم على ذات الرب تعالى المقدسة، لا يطلق إلا عليه سبحانه وتعالى، وأصله ( إله ) حذفت الهمزة، وعوض مكانها ( أل ) التعريف .

فهذه الكلمة العظيمة تشتمل على ركنين أساسين:

  • الأول: ( النفي )، وهو نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى، ويدل عليه كلمة ( لا إله ) فهي تنفي أن يكون غير الله تعالى مستحقاً للعبادة.
  • الثاني: ( الإثبات )، وهو إثبات الإلهية لله تعالى، ويدل عليه كلمة ( إلا الله) فهي تثبت أن الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له  فالله جل وعلا هو المستحق للعبادة وحده؛ لأنه الخالق، الرازق، المالك، المدبر لجميع الأمور، فيجب على جميع العباد أن يفردوه بالعبادة شكراً له على نعمه العظيمة عليهم

فهذه الكلمة هي حقاً: كلمة التوحيد، والعروة الوثقى، وكلمة التقوى، وفي شأنها تكون السعادة والشقاوة، في الدنيا، وفي القبر، ويوم القيامة، فبالتزامها والقيام بحقوقها تثقل الموازين، وبه تكون النجاة من النار بعد الورود، والفوز بجنات النعيم، وبعدم التزامها أو التفريط في حقوقها تخف الموازين، ويكون العذاب في القبر، وفي يوم القيامة، وفي نار الجحيم وهي حق الله على جميع العباد، وهي أول واجب، وآخر واجب، فهي أول ما يدخل به العبد في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا .

شروطها ونواقضها:

دلت النصوص الشرعية الكثيرة على أن الفوائد والفضائل العظيمة لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )، التي سبقت الإشارة إلى بعضها، والتي من أهمها: الحكم بإسلام صاحبها، وعصمة دمه، وماله، وعرضه، ودخول الجنة، وعدم الخلود في النار، أنها لا تحصل لكل من نطق بهذه الكلمة، بل لا بد من توافر جميع شروطها، وانتفاء جميع نواقضها، فكما أن الصلاة لا تقبل ولا تنفع صاحبها إلا إذا توافرت جميع شروطها: من الوضوء واستقبال القبلة وغيرهما، وانتفت مبطلاتها، كالكلام، والضحك، والأكل، والشرب وغيرها، فكذلك هذه الكلمة، لا تنفع صاحبها إلا باستكمال شروطها، وانتفاء نواقضها.

ولذلك لما قيل لوهب بن منبه: ( أليس مفتاح الجنة: لا إله إلا الله ؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك ). ولما قيل للحسن البصري: إن ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ؟ قال: ( من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة ) ومن أجل عدم تحقق بعض هذه الشروط لم تنفع هذه الكلمة جميع المنافقين الذين نطقوا بها، وفعل كثير منهم بعض شعائر الإسلام الظاهرة.

ويدل على وجوب توفر شروط هذه الكلمة وعلى وجوب انتفاء موانعها على وجه الإجمال قوله: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)) فيدخل في حقها: الإتيان بشروطها، واجتناب نواقضها.

وقد دلت النصوص الشرعية على أن لهذه الكلمة العظيمة سبعة شروط، هي:

  • الشرط الأول: العلم بمعناها الذي تدل عليه، فيعلم أنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله تعالى، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }( محمد: 19 ).
  • الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك، فلا بد أن يؤمن إيماناً جازماً بما تدل عليه هذه الكلمة من أنه لا يستحق العبادة إلا الله تعالى فإن الإيمان لا يكفي فيه إلا اليقين، لا الظن ولا التردد، قال تعالى: { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15). فمن كان غير جازم في إيمانه بمدلول هذه الكلمة أو كان شاكًّا مرتابًا أو متوقفاً في ذلك لم تنفعه هذه الكلمة شيئاً.
  • الشرط الثالث: القبول المنافي للرد، فيقبل بقلبه ولسانه جميع ما دلت عليه هذه الكلمة، ويؤمن بأنه حق وعدل، قال الله تعالى عن المشركين: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }( الصافات: 35-36 ).فمن نطق بهذه الكلمة ولم يقبل بعض ما دلت عليه إما كبرًا، أو حسدًا، أو لغير ذلك، فإنه لا يستفيد من هذه الكلمة شيئًا فمن لم يقبل أن تكون العبادة لله وحده، ومن ذلك عدم قبول التحاكم إلى شرعه أو لم يقبل بطلان دين المشركين من عُبَّاد الأصنام، أو عُبَّاد القبور، أو اليهود، أو النصارى، أو غيرهم، فليس بمسلم.
  • الشرط الرابع: الانقياد المنافي للترك، فينقاد بجوارحه، بفعل ما دلت عليه هذه الكلمة من عبادة الله وحده، قال الله تعالى:{ومَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ وَ إِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِِ } ( لقمان: 22 ) ومعنى ( يسلم وجهه ): ينقاد، ومعنى ( وهو محسن ): أي موحد فمن قالها وعرف معناها ولم ينقد للإتيان بحقوقها ولوازمها من عبادة الله والعمل بشرائع الإسلام، ولم يعمل إلا ما يوافق هواه أو ما فيه تحصيل دنياه لم يستفد من هذه الكلمة شيئاً.
  • الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقول هذه الكلمة صدقاً من قلبه، يوافق قلبه لسانه، قال الله تعالى: {الٓمٓ *أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ * وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ}( العنكبوت: 1-3 ).ولذلك لم ينتفع المنافقون من نطقهم بهذه الكلمة؛ لأن قلوبهم مكذبة بمدلولها، فهم يقولونها كذباً ونفاقاً.
  • الشرط السادس: الإخلاص المنافي للشرك، فلا بد من تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، قال الله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ } ( الزمر: 2 ). فمن أشرك بالله تعالى في أي نوع من أنواع العبادة لم تنفعه هذه الكلمة.
  • الشرط السابع: المحبة، فلابد أن يحب المسلم هذه الكلمة ويحب ما دلت عليه، ويحب أهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها، ويبغض ما ناقض ذلك. قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ }( البقرة: 165 ).

أما نواقض ( لا إله إلا الله )، وتسمى ( نواقض الإسلام )، ( نواقض التوحيد )، وهي الخصال التي تحصل بها الردة عن دين الإسلام، فهي كثيرة، وقد ذكر بعضهم أنها تصل إلى أربعمائة ناقض .

وهذه النواقض تجتمع في ثلاثة نواقض رئيسة، هي:

  1. الشرك الأكبر.
  2.  الكفر الأكبر.
  3. النفاق الاعتقادي

من اختيار الفقير إلى عفو ربه /عمر بن يحيى آل دخان

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. شرك أكبر يخرج من الملة، ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه – وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله – كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين. والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضوه – ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين. قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]
    ——–
    الشيخ /صالح الفوزان جزاه الله خيرا

  2. النفاق الاعتقادي، وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر – وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار – وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها: من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين لمشاركتهم في عداوة الإسلام – وهؤلاء موجودون في كل زمان.

    ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فإنهم يظهرون الدخول فيه لأجل الكيد له ولأهله في الباطن.

    ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا على دمائهم وأموالهم.

    فيظهر المنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به لا يؤمن بالله. وأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر، جعله رسولا للناس، يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه، ويخوفهم عقابه.

    وقد هتك الله أستار هؤلاء المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن الكريم، وجلَّى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر.

    وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول البقرة. المؤمنين والكفار والمنافقين. فذكر في المؤمنين أربع آيات. وفي الكفار آيتين. وفي المنافقين ثلاث عشرة آية.

    لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتَهم على الإسلام وأهله.
    فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة.

    يخرجون عداوته في كل قالب، يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد وهذا النفاق ستة أنواع .

    1 – تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.

    2 – تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    3 – بغض الرسول صلى الله عليه وسلم.

    4 – بغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    5 – المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

    6 – الكراهية لانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

    الشيخ /صالح الفوزان جزاه الله خيرا

  3. الكفر الأكبر – هو المراد هنا – هو : كل ما ينافي الشهادتين أو إحداهما من اعتقاد ، أو قول ، أو عمل ، ويوجب لصاحبه الخروج من الملة ، والخلود في النار .

    حكمه : مخرج من الملة ، من مات عليه خلد في النار قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }
    لذا كان الكفر الأكبر من نواقض قول لا إله إلا الله .

    أنواعه : ومنها ما يلي :
    *الأول : كفر التكذيب :
    تعريفه : التكذيب في اللغة الإنكار ، يقال : كذّب بالأمر أنكره ، والنسبة إلى الكذب يقال : كذّب فلانا : نسبه إلى الكذب والمراد بكفر التكذيب : هو الإنكار بالقلب واللسان لأصل من أصول الدين ، أو حكم ، أو خبر ثابت مما هو معلوم من الدين بالضرورة بعد المعرفة
    يقول ابن القيم : ” فأما كفر التكذيب فهو اعتقاد كذب الرسل . . ” .
    وقال ابن تيمية : ” وإنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به . . . . ”
    وقال أيضا : ” والتكذيب : أخص من الكفر فكل مكذّب لما جاءت به الرسل فهو كافر ، وليس كل كافر مكذبا ” .
    وقال القاضي عياض : ” وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب ، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ، وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووقع الإجماع المتصل عليه . . . كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس . . . . ” .
    أمثلته :
    1- التكذيب بأصول الدين ، أو بشيء منها ، كالتكذيب بربوبية الله ، أو ألوهيته وحده ، أو بكتاب الله ، أو بشيء منه ، أو بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو فيما أخبر به ، أو بالبعث بعد الموت ، أو بقضاء الله وقدره ونحو ذلك .

    2- التكذيب بحكم ثابت مما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كالتكذيب بوجوب واجب من واجبات الإسلام الظاهرة ، كالصلاة ، أو التكذيب بتحريم محرم من محرماته الظاهرة كالزنى

    3- التكذيب بخبر ثابت ، أخبر الله به كالتكذيب بعذاب القبر
    الأدلة كثيرة ، منها ما يلي :
    1- قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}َ . في هذه الآية توعد سبحانه من كفر به ، وكذب بآياته بالخلود في النار مما يدل على أن التكذيب بآيات الله كفر .
    2- وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ .}

    في الآية وعيد بالعذاب المهين لمن كذب بآيات الله ، ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية .
    3- وقال تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ }.
    في الآية إخبار بأنه لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقرير لمثواهم في جهنم ؛ لأن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي صار إيجابا يقول ابن سعدي : ” وتكون منزلهم الدائم الذي لا يخرجون منه ” ، ولا يكون كذلك إلا كافر كفرا أكبر .

    4- إجماع العلماء على كفر من كذب بأمر معلوم من الدين بالضرورة . وقد حكى هذا الإجماع جمع من العلماء .
    يقول ابن بطة : ” . . . فلو أن رجلا آمن بجميع ما جاءت به الرسل إلا شيئا واحدا كان برده ذلك الشيء كافرا عند جميع العلماء ” .
    وقال أبو يعلى : ” ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح من الله ، أو من رسوله .صلى الله عليه وسلم ، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر . . . . وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله ، وأباحه بالنص الصريح ، أو أباحه رسوله صلى الله عليه وسلم . . مع العلم بذلك فهو كافر . . والوجه فيه أن في ذلك تكذيبا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم في خبره . . . ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ” .
    وقال ابن تيمية : ” الكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين سواء اعتقد نقيضه وتكلم له أو لم يعتقد شيئا ولم يتكلم ” .
    وقال ابن الوزير : ” واعلم أن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد لشيء من كتب الله تعالى المعلومة ، أو لأحد من رسله عليهم السلام أو لشيء مما جاؤوا به إذا كان ذلك الأمر المكذب به معلوما بالضرورة من الدين ، ولا خلاف أن هذا القدر كفر . . . ” .
    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : ” . . . لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ، وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام ” .
    ▼يتبع ↓↓

  4. الثاني : كفر الجحود :
    تعريفه :
    لغة : الإنكار – قد يكون الإنكار للشيء للجهل به ، وقد يكون بعد المعرفة تعنتا – يقال : جحد الأمر أنكره مع علمه به ، ومنه قوله تعالى : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } .
    وجحد فلان حقه : لم يقر به
    والمراد بكفر الجحود : هو الإنكار باللسان مع المعرفة بالقلب لأصل من أصول الدين ، أو حكم ، أو خير ثابت مما هو معلوم من الدين بالضرورة قصدا من غير جهل ، أو إكراه ، أو تأويل يعذر فيه صاحبه يقو ل الخازن : ” وكفر جحود ، وهو أن يعرف الله تعالى بقبله ، ولا يقر بلسانه ككفر إبليس ” .
    وقال النووي : ” إن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره ، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك ، فإن استمر حكم بكفره ” .
    وقال ابن القيم : ” وأما جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه ، فلا يكفر صاحبه به ، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه ، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ” .
    أنواعه :
    وهو نوعان : كما قال ابن القيم
    الأول : كفر مطلق عام : وهو أن يجحد جملة ما أنزله الله ،وإرساله الرسول صلى الله عليه وسلم .
    والثاني : كفر مقيد خاص ، وهو أن يجحد شيئا من أصول الدين ، كمن يجحد ربوبية الله ، أو وحدانيته ، أو صفة من صفاته ، أو يجحد البعث ، أو القضاء والقدر ونحو ذلك ، أو شيئا من أحكام الإسلام الظاهرة المتواترة ، كمن يجحد وجوب الصلاة أو الصيام ونحوهما . أو يجحد تحريم محرم كالفواحش أو الخمر ونحوهما ، أو شيئا مما أخبر الله به من الأخبار الثابتة الظاهرة ، كمن ينكر عذاب القبر ، أو وجود الجن ونحوهما
    الأدلة : كثيرة منها ما يلي :
    1- أن في هذا الإنكار جحدا لآيات الله ، وقد حكم سبحانه بالكفر على من جحد آياته
    قال تعالى : {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ} . ولذا توعدهم بدار العذاب المخلد فقال سبحانه وتعالى : {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } . ولا يخلد في النار إلا كافر كفرا أكبر .
    2- أن في هذا الإنكار تكذيبا ظاهرا للأحاديث الصحيحة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تقرر ما جحد ، وقد قرر العلماء أن من رد حديثا واحدا صحيحا ، أو كذبه بغير تقية – مع علمه بصحته – فهو كافر يقول إسحاق بن راهويه : ” من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ، يقر بصحته ، ثم رده بغير تقية فهو كافر ” .
    وقال ابن الوزير : ” إن التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح ” .
    3- إجماع العلماء على كفر من جحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، وقد حكى هذا الإجماع جمع من العلماء .
    يقول ابن قدامة – وهو يتكلم عن حكم من ترك الصلاة -” ولا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحدا لوجوبها إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك . . . . وكذا الحكم في مباني الإسلام كلها ، وهي : الزكاة ، والصيام ، والحج . . . ” .
    وقال القاضي عياض : ” وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل ، أو شرب الخمر ، أو الزنى مما حرم الله بعد علمه بتحريمه . . . ” .
    وقال ابن تيمية : ” إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان ، وقواعد الدين ، والجاحد لها كافر بالاتفاق ”
    وقال أيضا : ” والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه فإنه كافر مرتد باتفاق الفقهاء ” . وقال ابن الأثير : ” فمن أنكر فرضية أحد أركان الإسلام كان كافرا بالإجماع ” . وقال ابن الوزير : ” وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع ، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله . . . ”

    يتبع ↓↓

  5. الثالث : كفر الإباء والاستكبار :
    تعريفه : الإباء : الامتناع والاستكبار : الاستعظام للنفس
    والمراد بكفر الإباء والاستكبار هو : الامتناع عن الانقياد لأمر الله ، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم إباء واستكبارا ، مع معرفة أنه حق . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا ، فصار من الكافرين وإن كان مصدقا ” وقال أيضا : ” وإنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه ” .
    ويقول ابن القيم : ” وأما كفر الإباء والاستكبار فنحو كفر إبليس . . . . ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه جاء بالحق

    من عند الله ، ولم ينقد له إباء واستكبارا . . . ”
    أمثلته :
    1- كفر إبليس عندما لم ينقد لأمر الله له بالسجود لآدم استكبارا ، قال تعالى : { إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } .
    2- كفر الذين صدقوا الرسل بقلوبهم ، ولم يتبعوهم عنادا واستكبار ، كفرعون وقومه قال تعالى : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } .
    3- كفر من عرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه جاء بالحق من عند الله ، ولم ينقد له إباء واستكبارا ، كاليهود الذي شهدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق ، واستكبروا عن اتباعه ؛ لأنه لم يكن من بني إسرائيل ، وكمن امتنع من قبول حكم معلوم من الدين بالضرورة ، ورفض الانقياد له استكبارا ، مثل من ترك الصلاة ونحوها استكبارا

    الأدلة كثيرة منها ما يلي :
    1- قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .
    يقول ابن جرير : ” وتأويل قوله : (أبى) : يعني – جل ثناؤه – بذلك إبليس أنه امتنع من السجود لآدم . . . ( واستكبر ) : يعني بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله في السجود لآدم ، وهذا – وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس – فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله ، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به ، وفيما نهاهم عنه . . . ثم وصف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلا في الاستكبار . . . . فقال جل ثناؤه : ( وكان ) يعني إبليس ( من الكافرين ) . . . بخلافه عليه فيما أمره به من السجود لآدم . . . ”
    وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله : (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ .))

    في رواية فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنة قال : ” إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس”
    ومعنى بطر الحق : تسفيهه وإبطاله . وغمط الناس : الاحتقار لهم ، والازدراء بهم . ويروى : وغمص بالصاد ، والمعنى واحد . . . وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } ،{ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا }. { قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } ، فكفره الله بذلك ، فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى ، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كان حكمه حكمَه ، وهذا ما لا خلاف فيه ”
    2- إجماع العلماء على كفر من امتنع عن الانقياد لأمر الله ، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم استكبارا ، وقد حكى هذا الإجماع جمع من العلماء .

    يقول إسحاق بن راهويه : ” وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئا أنزله الله . . . وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر . . . ”
    وقال ابن تيمية : ” إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه ، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر ، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه ، أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم ، وأبى أن يذعن لله ، وينقاد فهو إما جاحد أو معاند ، ولهذا قالوا : من عصى الله مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق ”
    وقال أيضا – وهو يتكلم عن حكم تارك الصلاة – ” . . . والثاني : ألا يجحد وجوبها ، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبرا أو حسدا أو بغضا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيقول : أعلم أن الله أوجبها على المسلمين ، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق في تبليغ القرآن ، ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكبار أو حسدا للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو عصبية لدينه ، أو بغضا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أيضا كافر بالاتفاق . . . ”
    ▼يتبع ↓↓

  6. الرابع : كفر الإعراض :
    تعريفه : الإعراض لغة : الصدود . يقال : أعرض عن الشيء : صد عنه ، بأن يوليه عرضه – أي جانبه – ولا يقبل عليه ، أو يلتفت إليه

    والمراد بكفر الإعراض : هو الإعراض التام عن الحجة وعدم إرادتها ، والعمل بها وبموجبها إعراضا يخل بأصل الإيمان

    حكمه : إن كان الإعراض يخل بأصل الإيمان ، كأن يكون إعراضا تاما عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام مع قدرته على ذلك لعدم الرغبة ، أو عن قبوله والانقياد القلبي له ، أو يعرض إعراضا تاما عن العمل بالجوارح ( بأن يترك جنس العمل ) مع القدرة ، أو يعرض عما دل الدليل على أن تاركه يكفر كالصلاة ، وكالإعراض عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، متعمدا ، ولا سيما بعد دعوته إليه ، وتذكيره به فهذا كفر .

    أما إن كان الإعراض إنما يخل بكمال الإيمان ، كأن يكون بترك واجبات فلا يعد كفرا ، وإنما ينقص الإيمان

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل ، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقلبه ، أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ، ولا صلاة ، ولا زكاة ، ولا صياما ، ولا غير ذلك من الواجبات ”

    وقال ابن القيم : ” الأصل الثاني : أن العذاب يستحق بسببين : أحدهما الإعراض عن الحجة ، وعدم إرادتها ، والعمل بها وبموجبها ، والثاني : العناد لها بعد قيامها ، وترك إرادة موجبها ، فالأول كفر إعراض . . . ” .

    وقال الشيخ ابن سحمان : ” . . . فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام . . . ”

    الأدلة : وهي كثيرة منها ما يلي :
    1- قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }
    يقول ابن كثير :{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تخالفوا عن أمره . فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك ، وإن ادعى . . في نفسه أنه محب لله . . . حتى يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم . . خاتم الرسل عليهم الصلاة و السلام . . . ” .

    وقال أبو السعود – في تفسير هذه الآية – : ” . . . فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم ، والإيذان بأن التولي عن الطاعة كفر ”
    .
    2- وقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ }.

    قال الشيخ ابن السعدي – في تفسير هذه الآية – : ” أي لا أحد أظلم وأزيد تعديا ممن ذكر بآيات ربه . . . التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم والانقياد والشكر ، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي ، فلم يؤمن بها ، ولا اتبعها ، بل أعرض عنها . . . . فهذا من أكبر المجرمين الذين يستحقون شديد النقمة ، ولهذا قال : {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}
    3- وقال تعالى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ }
    يقول ابن حزم : ” هذه الآيات محكمات لم تدع لأحد علقة يشغب بها ، قد بين الله فيها صفة أهل زماننا فإنهم يقولون : ” نحن المؤمنون بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحن طائعون لهما ، ثم يتولى طائفة منهم بعد هذا الإقرار فيخالفون ما وردهم عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أولئك بنص حكم الله تعالى عليهم ليسوا مؤمنين ” .

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – في تعليقه على هذه الآيات – : ” فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن . . . ”

    وقال أيضا : ” . . . . فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل ، وإن كان قد أتى بالقول . . . ”

    4- وقال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا }
    يقول ابن القيم : ” فجعل الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق . . . ”
    وقال محمد رشيد رضا : ” والآية ناطقة بأن من صد ، وأعرض عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عمدا ولا سيما بعد دعوته إليه ، وتذكيره به فإنه يكون منافقا لا يعتد بما يزعمه من الإيمان ، وما يدعيه من الإسلام ”
    5- وقال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }

    يقول الشوكاني : ” قال كذلك ” ، أي مثل ذلك فعلت أنت ، ثم فسره بقوله :{ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } ، أي أعرضت عنها ، وتركتها ، ولم تنظر فيها { وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} ، أي مثل ذلك النسيان الذي فعلته في الدنيا تنسى : أي تترك في العمى والعذاب في النار . . . ”

    يتبع ↓↓↓

  7. الخامس : كفر الشك .
    تعريفه : الشك لغة : خلاف اليقين .
    وهو : التردد بين شيئين ، سواء استوى طرفاه ، أو رجح أحدهما على الآخر . قال تعالى : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ }، قال المفسرون : أي غير مستيقن . وهو يعم الحالتين . كما يأتي ويراد به الطعن ، يقال : شككته بالرمح شكا : أي طعنته .
    والصف والضم : يقال : شك القوم بيوتهم جعلوها مصطفة
    متقاربة على نظم واحد . وكل شيء ضممته إلى شيء فقد شككته

    الشك في الاصطلاح : هو الوقوف بين منزلتي الجهل والعلم
    وهو عند الفقهاء – كما قال ابن القيم وغيره – هو التردد بين وجود الشيء وعدمه ، سواء تساوى الاحتمالان ، أو رجح أحدهما .

    وعند الأصوليين : إن تساوى الاحتمالان فهو شك ، وإلا فالراجح ظن ، والمرجوح وهم ، وقول الفقهاء موافق للغة
    والمراد بكفر الشك : هو التردد بين الإيمان وعدمه في شيء من أصول الدين ، أو بين التصديق وعدمه بخبر ، أو حكم ثابت مما هو معلوم من الدين بالضرورة .
    أمثلته : ومنها :

    الشك في وحدانية الله ، أو في كون الكاشف للضر هو الله وحده .
    الشك في وجود الملائكة ونحو ذلك ، الشك في شيء من القرآن .
    الشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في صدق ما أخبر به ، كالشك في البعث ، أو الحساب ، أو الجنة ، أو النار ، ونحو ذلك .
    الشك في وجوب الصلاة ، أو الزكاة ونحوهما ممن لا عذر له .
    الشك في تحريم المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة . كالشك في تحريم الربا ، أو الزنى ونحوهما .
    الشك في بطلان غير الملة الإسلامية ، وكفر من دان بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم

    الأدلة : لقد دل الكتاب والسنة والإجماع على كفر من وقع في هذا النوع من الشك .
    أولا : من الكتاب :
    ومن ذلك قوله تعالى : {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا } .
    يقول الشنقيطي : ” وقوله في هذه الآية الكريمة : { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ }بعد قوله : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } يدل على أن الشك في البعث كفر بالله تعالى ” .
    وقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا }.
    فالآية – كما نرى – تدل على أن من شروط صدق إيمان المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم كونهم لم يرتابوا : أي لم يشكوا أبدا في وحدانية الله ، ولا في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا في ما جاء به عن الله ، وعليه فمن ارتاب في شيء مما ذكر فليس بمؤمن ، بل هو من المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } .

    ثانيا : من السنة :
    ومن ذلك ما ورد في الصحيح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ))
    هذا الحديث – كما نرى – يدل على اشتراط اليقين بالشهادة ، حتى يدخل قائلها الجنة ، وعليه فمن شك في شهادة التوحيد فإنه لا يدخل الجنة لانتفاء هذا الشرط .

    ثالثا : الإجماع :
    لقد حكى جمع من العلماء الإجماع على كفر من وقع في هذا النوع من الشك ، وإليك شيئا مما قالوا في ذلك ، يقول القاضي عياض – بعد أن ذكر بعض المكفرات – : ” وكذلك من أضاف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به ، أو شك في صدقه ، أو سبه . . . . فهو كافر بإجماع ”
    وقال أيضا : ” وأعلم أن من استخف بالقرآن . . . . أو بشيء منه . . . . أو كذب به ، أو بشيء منه ، أو بشيء مما صرح به فيه من حكم ، أو خبر ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته على علم بذلك ، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ”
    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – وهو يتكلم عن نواقض الإسلام ” . . الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر إجماعا ” .
    وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : ” . . . . . فإن كان شاكا في كفرهم ، أو جاهلا بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم ، فإن شك بعد ذلك ، وتردد فإنه كافر بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر ” .

    وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ” . . . فمن أنكر
    هذا التوحيد أو شك فيه . . . . كفر بإجماع المسلمين ”
    وقال الشيخ ابن سحمان : ” وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر . والشك هو التردد بين شيئين ، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه ، ولا يجزم بوقوع البعث ، ولا عدم وقوعه ونحو ذلك ، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ، ولا عدم وجوبها ، أو لا يعتقد تحريم الزنى ، ولا عدم تحريمه ، وهذا كفر بإجماع العلماء ” .

    يتبع ↓↓↓↓

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل حاجب الإعلانات ثم تحديث الصفحة لعرض محتوياتها