خبز أيام زمان وخميرة الخبز الطبيعية
أيها الأخ الكريم إنه لا يخفى على أحد من أبناء هذا العصر ما كانت تتمتع به الأجيال التي كانت قبلنا من الصحة والعافية على طول الأيام والقوة والشباب والحيوية وإن الواحد منا ليجلس يتساءل ماتلكم (العجيبة) التي كان يتمتع بها من كان قبلنا.
إن التطرق لهذا الموضوع ليذكرني بأيام كانت تفوح منها روائح سادت ثم بادت و تسرح بفكري نحو زمان الصفاء و الوفاء .أياما كانت تفوح منها الروائح العطرة التي كنا نستشمهــا يوميــا من الصدق و الوفاء و الأمانــة و الودّ و الخالص ..إنها أيام الأجداد وأين نحن من تلك الأيام الجميلة البديعــة التي سادت ثم بادت
إنني أتذكر رائحــة الخبز التنوري من حبات القمح الخالص الذي كانت تطحنها الجدة ثم تعجنهــا و تطبخهــا في التنور الذي كان يشغل حيزا خاصا في زاوية الحوش (فناء الدار ) في دار جدي رحمه الله ،إنني أشم رائحة العجين و رائحة النار في التنور و من ثم رائحــة الخبز الحار المدمج بالسمسم تارة و بالحبة السوداء تارة أخرى من يد الجدة الحانية و كانت أحيانا تدهن الخبز بزيت الزيتون الخالص و ترش عليها ذرات من السكر فنلتهمه التهاما للذته و لجوعنا وهذه الذكريات أيها الأخوة تدخلني في البحث في موضوع الخمائر الطبيعية الذي وعدتكم في الكلام عنه وهذه الذكريات تجيبنا عن العجيبة التي كانت تمتع أجدادنا بقوتهم وعافيتهم إذ أن هذه العجيبة أيها الأحباب هي خميرة الخبز التي كان يتمتع بها خبز أيام زمان وحرم منها الخبز الحديث لدخول الخميرة الفورية الضارة في تصنيعه .. نعم أيها الأخوة إنها خميرة خبز أيام زمان !!
عندما تأمل باحثوا التغذية ملياً في سلالات الخميرة الشائعة ، لاسيما خميرة الخباز Saccharomyces cervisiae فوجئوا بأن لديها قدرات جبارة على تصنيع وتجميع الكثير من المغذيات وتبين أنها تحوى ثمانية عشر فيتاميناً يدخل في نطاقها المجموعة الكاملة لعائلة الفيتامينات “B” كما تحتوى على ستة عشر حمضاً أمينياً وأربعة عشر معدناً جوهرياً لحياة الإنسان.
ومن أهم مكونات خميرة الخبز الطبيعية مايلي :
الثياميـن vitamin b1 (thiamine)
لقد أدهشت خميرة الخبز الطبيعية محللي الأغذية إذ وجدوا أنها تحتوىي على سائر أفراد عائلة فيتامينات ” B ” العظيمة وبتراكيز عالية وهذه العائلة تشمل نحو أربعة عشر مركباً أو أكثر وهى جميعها من الفيتامينات الذوابة بالماء تماماً كما يذوب السكر أو الملح وهي من الأهمية بمكان تجعلها لازمة لدوام الصحة و إن أشهر أفراد هذه العائلة هو فيتامين ” ب1 ” المعروف بالثيامين Thiamin وقد وجد أن خميرة الخبز تعد من أغنى المصادر الغذائية الغنية بالثيامين ففي كل مائة جرام من الخميرة يوجد9.7 ميللجرام من الثيامين بينما لا يتجاوز هذا الفيتامين في مائة جرام من كل: السبانخ 1.2، فول الصويا 0.65، ردة القمح 0.5، اليوسفى 0.5، البندق 0.4، البسلة 0.36، الحمص 0.35، الفول السوداني 0.3، الجوز 0.26، اللحم 0.14، البامية 0.13، الطماطم 0.1 ملليجرام .
فثراء خميرة الخبز بالثيامين يوفر في الأبدان قدراً أعظم من مركب الثيامين بيروفوسفات، وهو قرين لإنزيم الكربوكسيليز، الذي يتمتع بدور مهم في عملية إنتاج وحدات الطاقة المعروفة باسم ” الأدينوزين ثلاثي الفوسفات ” ATP، أثناء ميتابوليزم الكربوهيدرات. فعندما تتحول الكربوهيدرات إلى حامض البيروفيك، فإن الثيامين بيروفوسفات يقوم من فوره بإجراء هدم سريع للبيروفيك، عن طريق نزع مجموعة الكربوكسيل منه. وبعدها تنطلق الطاقة اللازمة لبقاء الحياة، كما يتلاشى خطر حامض البيروفيك ، فالحامض الذى يتكون بكميات كبيرة أثناء تمثيل الكربوهيدرات، يعد سماً شديد التأثير على الجهاز العصبى، إذا لم يتحلل سريعاً.
وإن النقص الفاحش في الثيامين هو الذى يدفع إلى تراكم الحامض، ومن ثم التأثير في الأطراف العصبية والأربطة الموصلة والذي تكون من نتيجته آلام في الأعصاب واضطراب في القلب واختلال في قناة الهضم وعليه فإن خميرة الخبز الطبيعية تعد علاجاً ناجعاً لإتهاب الأعصاب ولذلك يوصي خبراء التغذية دوماً بتناول الأغذية الغنية بالثيامين خصوصاً إذا تناول المرء مزيداً من الكربوهيدرات التي تؤمن مزيداً من الطاقة للبدن وبالتالي مزيداً من تراكم حامض البيروفيك الذي ينذر بإلتهاب الأعصاب وإننا لنعلم اليوم أن المراحل الأولى لنقص الثيامين تتسم بحدوث اضطرابات تؤثر سلبياً في الروح المعنوية للإنسان إذ يغدو المرء كسولاً خائر القوى ضعيف الهمة فاتر العزم منحرف المزاج يثور ويهيج لأتفه الأسباب ومع استمرار هذا النقص تلتهب الأعصاب الطرفية إلتهابا شديداً وتجتاحها الآلام لقد عالج الباحثون في الطب اضطرابات عصبية من هذا القبيل بكميات وافرة من فيتامين “ب1” وشفيت تلك الإضطرابات وكان سبب النجاح في شفائها أعظم إذا تم إعطاء المريض مصدر طبيعي لهذا الفيتامين والذي يتحصل عليه بتناول قدر مناسب من خميرة الخبز
أهمية خميرة الخبز الطبيعة ودورها في صحة القلب
لقد ظهر للعلماء بشكل جلي أن من أول ما يلتفت الذهن إليه من أجل العناية بالقلب والحفاظ على سلامته وصحته هو تزويد الأبدان بفيتامينات المجموعة “ب” ولا سيما النوع “ب1” فقد درس العلماء التأثير العظيم لهذا الفيتامين على القلب فقرروا أن نقصه الشائع هو سبب الإصابة بأزمات القلب المقلقة وقد أسفرت تجارب العلماء على حيوانات التجارب أن نقص هذا الفيتامين يحفز على زيادة نسبة حامض البيروفيك، وعلى خفض معدل إنتاج وحدات الطاقة (atp ) ، الضرورية لعمل عضلة القلب.
وقد ظهر أن حذف الثيامين من طعام الإنسان لمدة ثلاثة أيام يفضي إلى اضطرابات وظيفية في القلب كأن يتدنى نبضة حيناً ثم تتسرع دقاته شديداً بمجرد أداء أي عملاً مهماً كان يسيراً
وينذر استمرار المنع لأيام أخرى بدخول القلب مرحلة الخطر حيث يتناوب نبضه بين البطيئ للغاية والسريع للغاية وإن لم يبذل المرء أي مجهود يذكر فإذا تواصل الحرمان أكثر من ذلك دخل القلب مرحلة أخطر فيزيد نبضه زيادة هائلة باستمرار حتى مع ركون الإنسان للراحة ثم يأخذ القلب في التضخم
والمدهش في الموضوع أن العوارض كلها لا تلبث أن تختفى بمجرد تزويد الجسم بقدر وافر من الثيامين ضمن أغذية طبيعية جيدة
فإذا كنت صادق النية فى احتفاظ قلبك بحيويته فعليك أن تحرص منذ اليوم على تزويد جسمك بمصدر طبيعي للثيامين والمتوفر في خميرة الخبز الطبيعية ولو بكميات أكثر مما يلزم للجسم فإن هذا الفيتامين يذوب بالماء ولهذا فالزائد منه يخرج مع البول، وينبغى أن تأخذ من الخميرة مع كل أكله لأن حاجة الجسم للثيامين تتجدد كل يوم.
دور الخبز الطبيعي في تحسين صحة الجهاز الهضمي
إن بوسع المرء أن يتجنب اضطرابات الهضم بأخذ قدرا وافرا من فيتامينات المجموعة “ب” وبخاصة النوع “ب1″ من مصدر فائق كخميرة الخبز وهذه هي الحقيقة التي استخلصها العلماء من دراساتهم فقد وجدوا أن الخميرة تزيد من إفرازات العصارة الهاضمة وتحسن من عمل الإنزيمات و تنشط إفرازات الغدد الموجودة في الجهاز الهضمي مثل إفرازات المعدة والأمعاء و تحسن من قدرة الأمعاء الدقيقة على الامتصاص .
ومما يستطاب ذكره أن العلماء كشفوا عن دور مهم للثيامين في آلية عمل العضلات بعامة وعضلات الأمعاء على وجه الخصوص، فقد تبين أن نقصه في الأبدان يصيب العضلات بالوهن على نحو يفضي إلى اضطراب حركة قناة الهضم ومن ثم حدوث الإمساك ولهذا فقد استقر رأي علماء التغذية العلاجية على أن الهضم الرديئ والغازات وأكثر حالات الإمساك يمكن أن تشفى في غضون أيام قلائل بإتباع نظام غذائي متزن يحتوي على الخميرة الطبيعية
في عام 1932استطاع العالمان الألمانيان ” واربورج ” و ” كريستيان ” استخلاص مادة صفراء من الخميرة، وأثبتا أن لها دوراً مهماً في تنفس الخلايا، هذة المادة هي فيتامين ” ب2 ” المعروف الريبوفلافين Riboflavin .
وتبين أن الخميرة هي من أغنى المصادر للريبوفلافين إذ يوجد في كل مائة جرام منها نحو 5.45 ميللجرام، بينما يوجد في مائة جرام لكل من : الكبد نحو 3.5، فول الصويا 0.35، البيض 0.34، السبانخ 0.31، اللحم 0.30، الجرجير 0.30، السالمون 0.28، اللوبيا 0.25، اللبن الطازج 0.20، لحم الدجاج 0.16، العسل الأسود 0.16، الخيار 0.15، الخس 0.12، البرتقال 0.09 ميللجرام.
ويدخل هذا الفيتامين في تركيب ما يزيد على عشرة من عوامل الحفز البيولوجية المتخصصة التي تكفل السير الطبيعي لتفاعلات الأكسدة والاختزال في الجسم،فهو يلعب دوراً مهماً في عمليات تمثيل الكربوهيدرات وإنتاج وحدات الطاقة منها، وكذا تمثيل الدهنيات والبروتينات، كما يساهم في امتصاص الحديد وفي بناء هيموجلوبين الدماء.
وتمثل قابلية الريبوفلافين للتأكسد والاختزال من خلال تفاعلاته كناقل لذرات الأيدروجين أساساً لفعله البيولوجى وبإيجاز نقول أن الريبوفلافين هو فيتامين الصحة والحيوية حيث يؤدى نقصه إلى انحطاط حيوية الأبدان وتدهور وظائف خلايا البشرة والعيون وعليه فليس غريباً أن نجد أن الكثيرين من الأطباء مازالوا يستخدمون الخميرة كمقو عام لزيادة الحيوية عند مرضاهم ومواجهة عوارض نقص الريبوفلافين.
فمنذ زمن طويل والأطباء يستخدمون الخميرة بنجاح لعلاج العديد من متاعب البشرة التي تعود إلى النقص الحاد في الريبوفلافين
إن قدراً وافراً من الفيتامين يأخذه الفتى أو الفتاة فى مرحلة المراهقة من شأنه منع ظهور الأكياس الدهنية والبقع الجلدية في الوجوه وهكذا فإن الخميرة تبدو مفيدة للغاية في علاج ظاهرة حب الشباب و في المحافظة على صحة البشرة والغشاء المخاطي المبطن للأفواه
هذا في حين يؤدي نقص الريبوفلافين في الأبدان إلى إدماء وتشققات في الشفاه وإلى تسلخات تظهر على جانبى الأفواه على أن الوقاية من هذه الاضطرابات أسهل ما تكون ولا تكلف المرء سوى تناول الخميرة يومياً لتوفير الريبوفلافين الذي يكفى حاجة الأبدان.
ولا تقتصر أهمية الريبوفلافين على صحة البشرة وجمالها بل إن له أهمية كبرى للعيون فهو ” فيتامين جمال البشرة والعيون البراقة ” وها هي تجارب الباحثين تثبت أن نقص الفيتامين يفقد العيون قدرتها على تحمل الضوء كما يؤدي إلى انهمار الدموع والشعور بالحرقان وإلى مزيد من الإلتهاب الذي يحد من قدرتها على الرؤية الثاقبة ما لم يعجل المرء بتزويد جسمه بمصدر جيد للريبوفلافين. وهل ثمة من مصدر طبيعي للفيتامين أجود من الخميرة يأخذها المرء في سائر وجبات الطعام و في كل الأيام !!
الخميرة الطبيعية مصدر عظيم للنياسين:
فلقد تمكن الباحث الأمريكى ” جولد برجر ” فى عام 1845 من استخلاص مادة فعالة من الخميرة تعالج مرض البلاجرا Pellagra (وهو يعنى بالإيطالية الجلد الخشن)و هذه المادة هى النياسين Niacin ، أو حامض النيكوتينيك Nicotinic acid، وهو أحد أفراد عائلة فيتامينات ” ب ” الثمينة
والحق أن الخميرة تعد من أهم مصادر النياسين إذ يوجد بكل مائة جرام منها نحو 53 ميللجرام، بينما تحتوى مائة جرام لكل من: الكبد 16.1، البلح الجاف 15، السالمون 7.4، الحلبة 5.7، لحم الضأن 5.6، اللحم البقرى 5.1، المخ 4.9، دقيق القمح 3.5، الموز 2.3، المشمش الطازج 0.7، صفار البيض 0.5، لبن الأم 0.26 ميللجرام.
ومعروف الآن أن النياسين يعمل فى الجسم كأحد مكونات نوعين مهمين من معاونات الإنزيمات، وهما: أميد حمض النيكوتنيك ثنائى الفوسفات ( NAD ) وفوسفات أميد حمض النيكوتينك ثنائى الفوسفات ( NADP). وتعمل هذه المعاونات فى التنفس الخلوى وفى عملية التحلل الجليكولى، وهى العملية التى بها يتحلل السكر حيوياً لإنتاج الطاقة.
وعادة فإن الأعراض الأولية لنقص النياسين تتمثل بحدوث إلتهاب فى الأغشية المخاطية المبطنة للقناة الهضمية ثم يعقبها احمرار جلدى والتهابات وبخاصة فى مناطق الجسم المعرضة لضوء الشمس. فخميرة البيرة الأغنى فى حمض النيكوتينيك مازالت حتى اليوم توصف بنجاح للوقاية من هذه المتاعب
والله أعلم والحمد لله رب العالمين