اللهم حجة لنا لا علينا
جدول المحتويات
قال تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3]
يقول الأمام الشافعي رحمه الله تعالى :
يا واعظَ الناس عمَّا أنتَ فاعلهُ
يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ العُمْرُ بِالنَّفَسِ
احفظ لشيبك من عيبٍ يدنسهُ
إنَّ البياض قليلُ الحملِ للدنسِ
كحاملٍ لثياب النَّاسِ يغسلها
وثوبهُ غارقٌ في الرَّجسِ والنَّجسِ
تَبْغي النَّجَاة َ وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيقَتَهَا
إنَّ السَّفِينَة َ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
ركوبكَ النَّعشَ ينسيك الرُّكوب على
مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ بَغْلٍ وَمِنْ فَرَسِ
يومَ القيامة ِ لا مالٌ ولا ولدٌ
وضمَّة ُ القبرِ تنسي ليلة العُرسِ
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي – رحمه الله تعالى -:”قوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}؛ أي: لم تقولون الخير، وتحثُّون عليه،
وربما تَمَدَّحْتُم به، وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشرِّ، وربما نزَّهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوِّثون متَّصفون به؟! ولهذا ينبغي للآمِر بالخير أن يكون أوَّل الناس مُبَادرةً إليه، والنَّاهي عن الشرِّ أن يكون أبعدَ الناس عنه”.
عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما : أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( يُجَاءُ بالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ في النَّارِ، فَيَدُورُ كما يَدُورُ الحِمَارُ برَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عليه فيَقولونَ: أيْ فُلَانُ، ما شَأْنُكَ؟ أليسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بالمَعروفِ وتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟! قالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بالمَعروفِ ولَا آتِيهِ، وأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وآتِيهِ))[ البخاري 3267]
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (( مررْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي بأقوامٍ تُقرضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ من نارٍ ، قُلْتُ : من هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : خُطَباءُ أمتِكَ الذينَ يقولونَ ما لا يفعلونَ ويقرؤونَ كتابَ اللهِ ولا يعملونَ بِه )) [صحيح الترغيب 125]
من فوائد الآيتين الكريمتين:
أولاً:
استدلَّ بها بعض أهل العلم على وجوب الوفاء بالوعد:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال(( آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ ))صحيح البخاري
ثانيًا:
إن العلم قرين العمل؛ ولذلك يسأل المرء يوم القيامة عن علمه: ماذا عمل به؟جاء في حديث أبي بَرْزَة الأَسْلَمي – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: (( لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ ؟ وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ ؟ وفيمَ أنفقَهُ ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ ؟ ))[صحيح الترغيب 126]
وعن جندب بن عبدالله – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم -قال: (( مثلُ العالِمِ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ ويَنْسَى نفسَهُ كمثلِ السِّراجِ يُضيءُ للناسِ ويَحرقُ نفسَهُ ))
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله -: ((أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة: عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه، فذنبُه من جنس ذنب اليهود)).
ثالثًا:
أن الله – عزَّ وجلَّ – نهى المؤمن أن يقول ما لا يفعل؛ لكن لو كان المؤمن مُقَصِّرًا في طاعة الله، مرتكبًا لبعض المعاصي – فإن ذلك لا يُسقِط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَاكَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78: 79].
وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان))صحيح مسلم
كان الحسن – رضي الله عنه – إذا نهى عن شيءٍ لا يأتيه أصلاً، وإذا أمر بشيءٍ كان شديد الأَخْذ به، وهكذا تكون الحكمة.
قال أبو الأسود الدُّؤلي:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
وقد صحَّ عن الحسن: أنه سمع إنسانًا يقول:لا يجب أن ينهى عن الشرِّ إلا مَنْ لا يفعله، قال الحسن: وَدَّ إبليسُ لو ظفر منَّا بهذه؛ حتى لا ينهى أحدٌ عن منكر، ولا يأمر بمعروف.. قال ابن حزم: صَدَقَ الحسنُ، وهو قولنا آنفًا”
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين