القول المسبوك في أحكام الصداقة على الفيس بوك:
فضيلة الشيخ أحسن الله إليك ماحكم الصداقة بين الجنسين على الفيس بوك نرجوا منكم الإجابة بالتفصيل بارك الله فيكم
جواب الفقير إلى ربه عمر يحيى دخان غفر الله له ولوالديه
ينبغي أن تعلموا أيها الأخوة الكرام أنه قد كثر الأخذ والرد بين إخواننا من طلبة العلم فيما يسمى بالإستضافات في موقع الفيس بوك وكان هناك كلام طويل من الإخوة طلبة العلم الأفاضل في هذه المسألة مفادها تحريم استضافة الرجل للمرأة الأجنبية والمرأة للرجل الأجنبي وإطلاق هذه الفتوى بشكل عام دون تفصيل فيها
ولكني نظرت في هذه المسألة فرأيت أنها بحاجة للبسط والتفصيل فيها فأنتم لايخفى عليكم بارك الله فيكم ما يُقدِّمه هذا الفيس بوك مِن تسهيل للتّواصل بين النّاس، والتّبادل الالكتروني بينهم، ولا أظنه يتردّد كلّ عضو فيه أو مطّلِع عليه، في القول بأنّه أضخم وأكبر منتدى إلكتروني في عالم الإنترنت حاليا، وهو مجتمع يتضمّن عضوية ملايين البشر مِن كلّ البقاع والأسقاع، على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم.
ويظهر بشكل جلي لكل مشترك في هذا الموقع أن الفيس بوك قد أتاح فرصا وأبعادا أكبر ممّا يتخيل في استفادة المعلومات بشتّى أنواعها، وتبادل الخيرات والخبرات باختلاف درجاتها، بل ربط العلاقات المباشرة وغير المباشرة بنخبة من العلماء والمشايخ والدّكاترة المتخصِّصين في شتّى المجالات.
وإني بعد النظر والتدقيق في موضوع الفيس بوك والبحث في الأدلة الشرعية يظهر لي والله أعلم
أنّ وجود امرأة ما ضمن قائمة أصدقاء رجل ما، أو وجود رجل ما ضمن قائمة أصدقاء امرأة ما؛ على الفيس بوك، ليس أمرًا يستدعي حَرجا أو يقتضي حُكما يرفضه،وذلك بعد أن ينضبط بضوابط ويشترط بشروط وذلك لعدة أمور وهي:
1-إن مصطلح (صديق، وصديقة، وأصدقاء) مصطلحات للفيس بوك الّتي لا يستطيع أيّ عضو تغييرها، كسائر نوافذ ومداخل كلّ موقع في عالم الانترنت، فنحن نتعامل معها كما هي دون أن نقصد حقيقتها.
ومع ذلك أحبّ أن أنبِّه أنَّ كلمة صَديق لها معنى آخر من حيث الاشتقاق اللّغوي؛ فإنَّ مِن معاني الصَّداقةُ التي هي مصدر لكلمة (الصَّدِيق): مَن صَدَقَك النصيحةَ كما أشار لهذا صاحب لسان العرب.
2-إن أفراد الفيس بوك -ذكورا وإناثا- موجودون بأسمائِهم وإضافاتِهم وليس بذواتِهم وأشخاصِهم! فلا محظور أو محذور يتّصِل بمسائل الخلوة، أو الملامسة، أو النّظر، أو نحو ذلك…
3-إن اقتضاء هذا لعلاقة معيّنة بين الجنسين؛ لا أظنّ أحدا ممن عنده أدنى منزلة من العلم ويعلم أحوال السلف الصالح يجرأ على تحريمها! فإنّ الشّريعة لم تأت لتقطع هذه العلاقة وإنّما جاءت لتُنظِّمها تنظيما يُبقي على المقاصد النّبيلة، ويسدّ الذّرائع الفاسدة، فمكالمة المرأة ومعاملتها بل والنّظر إليها في حدود الحاجة، ومشاركتها في سبل الخير، والتّعاون معها على البرّ وغير هذا… ممّا يتّسع له المجال، وتنفسح له الدّائرة والأدلة الشرعية على ذلك كثيرة تفوق الحصر.
4- إن وجود بعض المفاسِد في مجتمع الفيس بوك؛ كالصّور السيّئة الّتي يختارها بعض الأعضاء كرمز لبروفايلاتهم، والإضافات غير السّليمة؛ فهي قليلة أو ضعيفة جدّا أمام ما يُمكن أن نُقدّمه ونستفيده من أشياء مرضية طيّبة. وقد تقرّر فقها؛ أنّ الأمر إذا دار ما بين خير غالب وشرّ قليل حُكم بما يَغلب.
5-إن التورّع شيء لازِم للفرد لا يتعدّاه إلى غيره إلزاما، والخير والشرّ في مثل هذه المسائل يرجع تقديره إلى الشّخص ذاته؛ فمن رأى في نفسه ضعفا أمام مثل هذه الأمور، فالاحتياط في حقّه مطلوب، جريانا على جواب استفتائه لقلبه، أمّا مَن لم يجد في نفسه ذلك، فإقدامه إلى خير يمكنه الإسهام فيه أولى من إحجام في ثوب التورّع وتحت عنوان الدّيانة، في وقت استغلّ أهل الفساد كلّ الفرص المتاحة لفسادهم.
وأهل مكّة أدرى بشعابها، وصاحب الدّار أدرى بمن فيها.
وهذا ما يفهم من قول بعض السّلف -رحمه الله-:” مازالت التقوى بالمتقين حتى يتركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام ”
فإن علم هذا فإن الناظر في الإضافات بين الجنسين في الفيس بوك يظهر أن لها حالتان:
1-أن لا يكون الرجل أو المرأة قد وضعت صورتها ، ويظهر من قرائن الحال أنها ترغب الاستفادة من علم هذا الرجل أو إستفادته من علمها
2-أن يكون الرجل أو المرأة قد وضعت صورة لها أو لغيرها مما لا يجوز النظر إليه مما يحوي على فساد أو محرم.
فالحالة الأولى يظهر أنه لا بأس بذلك .
أما الثانية فلا يجوز.
والواجب على طلبة العلم وعموم المسلمين رفض طلبات الصداقة التي تكون من هذا النوع.
بل من كانت من النوع الأول التي تريد الإفادة من طلبة العلم هي تعلم باطلاعهم على صفحتها ولذا لن تضع شيئا لا يحسن على عرضه على الرجال…أي: أن هذا النوع ستكون فيه المرأة محافظة مستقيمة على أمر ربها .
وإن اختل شيء من ذلك بأي طريقة فإلغاء الارتباط هو المتعين .
وأما من يضع صور من ذوات الأرواح لكنها لاتحوي على أمور مخلة بالآداب والأخلاق الشرعية وليس فيها مفاتن أو دعوة لرذيلة كصور الأطفال والطيور وغيرها فينبغي على صاحبها أن يتقي الله ولا يقوم بوضع مثل هذه الصور إلا مادعت إليه الضرورة القصوى ويستحسن بالمضيف أن لايستضيف من أمثال هؤلاء بل يتورع قدر المستطاع وإن حصل وأضافهم لضرورة قصوى اضطرته الحاجه إليها فلا بأس بذلك ويحمل صاحبها إثمها مع عدم التوسع بالضرورة إلا بقدرها
وأما من يقومون بتسمية صفحاتهم بتسميات فيها مجون وتدعو للعشق والغرام والحب والهيام وما من شأنه أن يثير العواطف المحرمة فيحرم إضافتهم وإن خلت صفحاتهم من الصور الممنوعة لأن عملهم هذا فيه شبهة فالواجب الإبتعاد عنها
فإن حصل وقام كل جنس بإستضافة الجنس الآخر وتمت هذه الأمور بضوابطها وشروطها وحصلت المشاركة للمرأة مع الرجال فإنه ينبغي على المرأة أن تعلم أن مشاركتها لاتكون إلا على قدر الحاجة ، فتطرح سؤالها أو موضوعها ، وتنصرف ، ولا تعلّق إلا على ما لابد منه لأن الأصل هو صيانتها عن الكلام مع الرجال ، والاختلاط بهم .
وينبغي ألا يكون في كلامها ما يثير الفتنة ، كالمزاح ولين الكلام ، والضحك كأن تكتب :
(هههههه) أو تستخدم الأيقونات المعبرة عن الابتسامات ؛ لأن ذلك يؤدي إلى طمع من في قلبه مرض ، كما قال سبحانه : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32
فأن الله تعالى قد بين في آيتين من كتابه الكريم تلك الآداب الواجب التقيد بها في المحادثة بين الرجل والمرأة قال تعالى( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهم)
وقوله ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)الآية
والآيتان فيهما دلالة على ثلاثة آداب ، وهدفين مقصودين من تشريع هذه الآداب :
الأدب الأول أن يكون الخطاب عند الحاجة ( إذا سألتموهن متاعا)
والأدب الثاني : يكون من وراء حجاب أي تكون المرأة متحجبة غير متبرجة.(وهنا المرأة لاتظهر لكن الصور التي تضعها هي الدالة عليها)
والأدب الثالث : أن تتحدث المرأة حديثا جادا محتشما ليس فيه تمييع ولا تجميل وترقيق للصوت ويدخل في حكمها كتابتها وما تنتقيه من ألفاظ وعبارات
وأما الهدفان المقصودان من هذه الآداب ، فهما : تطهير قلوب المؤمنين من دنس الفواحش ، وتحذير المرأة المحتشمة من الذين في قلوبهم مرض
إذن يجب أن يكون الحديث عند الحاجة فقط ، وعلى قدرها ، ومن وراء حجاب ، وبلا خضوع من القول .
فالواجب أن يتحلى المسلم وكذالك المسلمة بالأدب والوقار والحشمة في الحديث ، ويختار كل منهما الأسماء الدالة على ذلك في المنتديات ، ويجب الابتعاد عما يثير الشبهة والريبة ، وما يستميل القلوب من الكلمات والألفاظ التي يزينها الشيطان ، ولو تذكر الإنسان أنه لا يرضى لأخته أو ابنته أن تخاطب بلفظ ما أو حتى بطريقة ما فيها إثارة ، لأحجمه ذلك أن يسلك هذا السبيل مع بنات الناس .
وننوه هنا إلى أن الرجل الذي يعرف معنى العفة ، والذي تلقى أدب الإسلام وعرف قيمة الأخت المسلمة ومكانتها في الإسلام ، يترفع بفطرته عن أن يبدو منه أي لفظ أو لهجة أو أسلوب خطاب يبدو فيه أنه يستميل بخضوع وميوعة فتاة أو أمرأة لاتحل له ، وكذلك المرأة التي فقهت طهارة الإسلام ،
ولا يسلك ذلك السبيل المشين إلا من في قلبه مرض ومن انحطت مرتبته في العفة ، فهو يتطلع بقلب مريض ، قد زيّن فيه الشيطان حب المعصية والعياذ بالله
وبهذا يتبين أنه إن احتاجت المسلمة أن تشارك في منتدى ليس خاصا بالنساء أو في مواقع الفيس بوك العلمية والمفيدة فليكن ذلك بنشر المواضيع المفيدة ، وإن أرادت أن ترد على موضوع يكون الرد خاليا مما يثير من الألفاظ التي تنافي ما أمرت به من الوقار في القول ، والحشمة في الخطاب الجاد مع الرجل ،وكذلك ينبغي على الرجــل
وأشير هنا أنه قد تصدر كلمات ترحيب عامة كقولهم يرحب المنتدى بالعضو الجديد فلان ونسأل الله أن يجعل فيما يكتبه الخير والبركة ” ونحو ذلك من الترحيب العام باسم المنتدى فهذا النوع من الترحيب لا شيء فيه ، وإذا لوحظ على مشارك أو مشاركة جنوح إلى ما لا ينبغي من أدب الإسلام في المنتدى أو في الفيس بوك أو باستغلال المشاركين فيه في علاقات خارجه ، فإنه يجب أن يماط الأذى عن الطريق ويقطع دابره والله أعلم والحمد لله رب العالمين