الأحكام الفقهية المترتبة على الثوم والبصل وما شابههما من النباتات كالكراث:
حكم تناول الثوم والبصل والأحكام الفقهية المترتبة عليهما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((منْ أكل ثَومًا أو بصلًا فليعتزلْنا أو لِيعتزلْ مسجدَنا )) وفي حديث: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عن هاتينِ الشَّجرتينِ وقالَ : من أكَلَهُما فلا يقربَنَّ مسجدَنا وقالَ : إن كنتُمْ لابدَّ آكليهِما فأميتوهما طَبخًا – قالَ : يعني البصَلَ والثُّومَ )). وقال عمر : “إنَّكم أيُّها النَّاسُ تأكلونَ من شجرتينِ ما أُراهُما إلَّا خبيثتينِ: هذا البصلُ والثُّومُ، ولقد رأيتُ نبيَّ اللَّهِ إذا وجدَ ريحَهُما منَ الرَّجلِ أمرَ بِهِ فأُخْرِجَ إلى البَقيعِ فمن أَكَلَهُما فليُمِتهُما طَبخًا”.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في الصحيحين قال: ((قدم للرسول صلى الله عليه وسلم قِدْرٍ فيه خَضِراتٌ مِن بُقُولٍ، فَوَجَدَ لها رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بما فيها مِنَ البُقُولِ،…. فقال صلى الله عليه وسلم: كلْ، فإني أناجي من لا تناجي ))وهم الملائكة. فأباحه عليه الصلاة والسلام لكن كرهه لمناجاة الملائكة.
قال ابن قدامة في المغني: ويكره أكل البصل والثوم والكراث والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته , سواء أراد دخول المسجد أو لم يرد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((إنَّ الملائِكَةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منهُ الإنسان))صحيح ابن ماجه. وإن أكله لم يقرب من المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(( مَن أكَلَ مِن هذِه الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ،فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا)) . وفي رواية :((مَن أكَلَ مِن هذِه البَقْلَةِ،الثُّومِ، وقالَ مَرَّةً: مَن أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والْكُرَّاثَ فلايَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا)) رواه مسلم .
وليس أكلها محرما ; لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه :(( نزلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على أبي أيُّوبَ ، وَكانَ إذا أَكَلَ طعامًا بعثَ إليهِ بفضلِهِ ، فبعثَ إليهِ يومًا بطعامٍ ولم يأكل منهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فلمَّا أتى أبو أيُّوبَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فذَكَرَ ذلِكَ لَهُ ، فقالَ فيهِ الثُّومُ فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ، أحرامٌ هوَ ؟ قالَ : لا ، ولَكِنِّي أَكْرَهُهُ من أجلِ ريحِهِ .)) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه :(( كلِ الثَّوْمَ ، فلولا أني أُناجِي الملَكَ لأكَلْتُهُ)) .
وإنما منع أكلها لئلا يؤذي الناس برائحته ; ولذلك نهي عن قربان المساجد , فإن أتى المساجد كره له ذلك , ولم يحرم عليه ; لما روى المغيرة بن شعبة قال : ((أَكَلتُ ثومًا، ثمَّ أتَيتُ مُصلَّى النَّبيِّ – صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ – فوَجدتُهُ قد سبقَني برَكْعةٍ فلمَّا قُمتُ أقضي وجدَ ريحَ الثُّومِ فقالَ : مَن أَكَلَ من هذِهِ البقلةِ فلاَ يقرَبنَّ مَسجدَنا حتَّى يذهبَ ريحُها قالَ المغيرةُ : فلمَّا قَضيتُ الصَّلاةَ أتَيتُهُ فقلتُ : يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لي عذرًا فَناوِلْني يدَكَ قالَ : فوَجدتُهُ واللَّهِ سَهْلًا ، فَناولَني يدَهُ ، فأدخلَها في كُمِّي إلى صدري فوجدَهُ معصوبًا فقالَ : إنَّ لَكَ عُذرًا . )) . وقد روي عن أحمد , أنه يأثم ; لأن ظاهر النهي التحريم , ولأن أذى المسلمين حرام، وهذا فيه أذاهم .انتهى
وبالنسبة للجمعة فلا يجوز بعد النداء لها تعمد عذر يحبس عنها، وبالتالي فلا يجوز تعمد أكل الثوم ونحوه لأجل التخلف عنها كما ذكر ابن عبد البر فى كلامه السابق
وقال الدردير في شرحه لمختصر خليل: وحرم أكله -أي الثوم ونحوه- يوم الجمعة على من تلزمه.
وقال ابن قاسم الشافعي في حاشيته على تحفة المحتاج في شرح المنهاج: من أكله -يعني الثوم ونحوه- بقصد الإسقاط كره له هنا يعني في الجماعة، وحرم عليه في الجمعة ولم تسقط. انتهى
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: يكره حضور المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا أو فجلا حتى يذهب ريحه على الصحيح من المذهب. والمراد حضور الجماعة ولو لم تكن بمسجد
قال ابن عبد البر في التمهيد معلقا على الحديث الوارد في هذا المعنى : وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن حضور الجماعة ليس بفرض لأنه لو كان فرضا ما كان أحد ليباح له ما يحبسه عن الفرض، وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن شهود الجماعة، وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا وبالله عصمتنا، ألا ترى أن الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين كل ما يحبس عنها من بيع وقعود ورقاد وصلاة وكل ما يشتغل به المرء عنها، وكذلك من كان ( من أهل المصر ) حاضرا فيه لا عذر له في التخلف عن الجمعة أنه لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها، فلو كانت الجماعة فرضا لكان أكل الثوم في حين وقت الصلاة حراما، وقد ثبتت إباحته فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض -والله أعلم- وإنما حضورها سنة وفضيلة وعمل بر.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وقول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } ففي الآية الأولى بين الله عز وجل أنه خلق لنا ما في الأرض جميعا وأن كل ما في الأرض فهو حلالاً لنا من عند ربنا لا مريه فيه ولاشك فيه وبين في الآية الثانية الإنكار على من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وفي قوله {التي أخرج لعباده} دليل على أن التحليل والتحريم لمن أخرجها لا لغيره فهو سبحانه تعالى هو الذي يملك أن يحلل ويحرم لأن له ملك السماوات والأرض وإذا كان الله قد أحل لنا الطيبات فأنه قد حرم علينا الخبائث فكل ما حرمه الله تعالى فهو خبيث لا مريه في هذا لأن الله تعالى لا يمكن بحكمته ورحمته أن يحرم على عباده ما هو طيب فكل ما حرمه الله فأنه خبيث وليس كل خبيث محرما فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الثوم….. ((الشجرة خبيثة)) قال الله تعالى:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } فالخبيث هو الرديء وليس كل رديء محرماً وإنما معنى الآية أن كل ما حرمه الله تعالى فهو خبيث لا إشكال فيه ومن ما حرمه الله ما يكون ضرر لنا في الدين أو ضرر لنا في البدن أو ضرر لنا في المال أو ضرر لنا في المجتمع لقول الله تعالى في كتابه : {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}
وقال أيضا:
النهي عن أكل الثوم والبصل والكراث ليس نهياً عنها بذاتها، ولكن من أجل تأذي غير الآكل برائحتها، ولهذا إذا طبخت حتى ذهب ريحها فلا بأس، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: “إنَّكم أيُّها النَّاسُ تأكلونَ من شجرتينِ ما أُراهُما إلَّا خبيثتينِ: هذا البصلُ والثُّومُ، ولقد رأيتُ نبيَّ اللَّهِ إذا وجدَ ريحَهُما منَ الرَّجلِ أمرَ بِهِ فأُخْرِجَ إلى البَقيعِ فمن أَكَلَهُما فليُمِتهُما طَبخًا”.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في فتح خيبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: “من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنا في المسجد”، فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها” (أخرجه مسلم).
فتبين بهذا أن هذه الشجرة الثوم حلال وليس حراماً ولا مكروهاً، ولكن هي مكروهة من جهة ريحها، فإذا أكل ما يزيل ريحها زالت الكراهة.
والنهي شامل للمسجد النبوي وغيره لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن أكَلَ مِن هذِه البَقْلَةِ فلا يَقْرَبَنَّ مَساجِدَنا، حتَّى يَذْهَبَ رِيحُها يَعْنِي الثُّومَ.”، وفي لفظ: “فلا يأتين المساجد” (أخرجه مسلم).
ولأن العلة وهي: تأذي الملائكة لا يختص بالمسجد النبوي.
▪ ولا يحل لأحد أن يأكل منها ليتخذ ذلك ذريعة للتخلف عن صلاة الجماعة، كما لا يحل السفر في رمضان من أجل أن يفطر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطها.
أنظر:
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثالث عشر – كتاب مكروهات الصلاة
فأكل الثوم ونحوه مباح مع الكراهة والأولى الابتعاد عن أكله قبل الصلاة ، ومن أكله قبلها فلا إثم عليه ولو ترتب على ذلك التخلف عن حضور صلاة الجماعة في المسجد، أما صلاة الجمعة فلا يجوز تعمد أكله بعد النداء لها لحرمة التخلف عنها. وأما من تعمد الاحتيال به حتى لا يحضر الصلاة في جماعة فهو مذموم، إن عاد فيعزر، فبعض الناس يريد أن يترك الجماعات فيقول: ما دام أنه عذر صاحب الثوم والبصل فيأكل ثوماً وبصلاً فلا يأتي المسجد، تقول له: صل، فيقول: أكلت ثوماً وبصلاً، وهو لا يريد الثوم والبصل لكن يريد أن يتخلف عن الصلاة، هذه من الحيل المعكوسة التي يركبها الله على أصحابها.
ومن الحيل كذلك في الصلوات: أن يؤخر بعض الناس العشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أُقيمتِ الصلاةُ ، وحضر العشاءُ فابدؤوا بالعَشاءِ }. فيترك طعامه حتى يقرب أذان العشاء ثم يحضره ويقول: حضر العشاء، علينا باتباع السنة لا نخالف السنة فيتعشى دائماً مع الصلاة، نقول: أنت آثم ومحتال، وإنما هذا إذا وقع نادراً للعذر؛ كأن تصادف مرة من المرات عشاء، أما أن تجعل عشاءك في وقت الصلاة فأنت مفترٍ على الله وعلى سنة الإسلام.
إذاً يكره أكل الثوم والبصل ويدخل فيهما الكراث
وأنا أنصح الإخوة المسلمين إما أن يميتوهما طبخاً، أو من أكل رغبة فيها أن يأخذ بعض الروائح الجميلة، وألا يأتي إلى المسجد لأنها تؤذي المسلمين كثيراً، خاصة ممن يتجشأ فإنه يؤذي عباد الله في المسجد، وعند مقابلة الناس، ومناجاة الناس، وعليه أن يحاول أن يكون له وقت إذا اضطر إليه، وأن يغير الرائحة من الثوم والبصل، فإنه مضر بعباد الله الصالحين.